ومن أعجب ما قرأت في هذا الصدد محاولات بعض الشراح اليهود الذين سعوا إلى التقريب بين التراث اليهودي وبين فلسفة اسپينوزا في أفكار كانت هي الوسيلة الأساسية التي استخدمها اسپينوزا في محاربة هذا التراث. وسأضرب لذلك مثلين؛ فنقد اسپينوزا لتشبيه الآلهة بالإنسان، وهو النقد الذي كان وسيلته الكبرى إلى محاربة العناصر الأسطورية في التراث اليهودي، والذي طالما ردده في صدد هذا التراث في «البحث اللاهوتي السياسي» - هو في نظر «رخمان»، مستمد من التراث اليهودي ذاته! فهو يقول: «إن مقاومة كل نوع من التشبيه بالإنسان هي عنصر أساسي في اليهودية؛ إذ يردد اليهودي يوميا: أشهد أن الله ليس بدنا ولا يشبه لنا في أية صورة منظورة.»
44
وهذا هو التزييف بعينه؛ إذ توجد، إلى جانب العبارة السابقة، عشرات النصوص التشبيهية الصريح في العهد القديم ذاته، وهي النصوص التي طالما اقتبسها اسپينوزا وأكد أنها لا تصلح إلا للعقلية العامية.
وقد لاحظ باحث يهودي آخر، هو «هيلر
Heller »، الاختلاف الأساسي بين تفكير اسپينوزا واليهودية في هذا الصدد؛ إذ أشار إلى أن الإنسان في اليهودية هو مركز الكون، وكل ما في الطبيعة موجود من أجله، بينما كان دور الإنسان في الكون، عند اسپينوزا، ضئيلا، والطبيعة ذاتها في نظره لا أخلاقية
Amoral .
45
وهذا، دون شك، نفي مباشر لكل تشبيه بالإنسان.
ومع ذلك فإذا كان «هيلر» قد أدرك، بحق، استحالة التقريب بين اسپينوزا واليهودية في صدد نقد الأول لتشبيه الآلهة بالإنسان، فإنه هو ذاته يقع في خطأ لا يقل عن ذلك فداحة؛ إذ يرى (وهذا هو المثل الثاني الذي أضربه لمثل هذه الأخطاء) أن فكرة مادية الله عند اسپينوزا يمكن أن ترد إلى أصول يهودية؛ لأن الله في اليهودية كثيرا ما كان يتخذ صبغة مادية.
46
نامعلوم صفحہ