14
وفي ملحوظة هذه القضية يقول إن الذهن يمر، على هذا النحو، بحالات من الكمال الزائد أو الناقص، ومن هذا تستخلص طبيعة اللذة والألم؛ فالمقصود باللذة هو «حالة سلبية ينتقل فيها الذهن إلى كمال أعظم»، والمقصود بالألم هو «حالة سلبية ينتقل فيها الذهن إلى كمال أقل». وتتخذ هذه التعريفات في «تذييل» الباب الثالث صورة لفظية مختلفة إلى حد ما: «فاللذة هي انتقال الإنسان من كمال أقل إلى كمال أعظم» (التعريف الثاني)، و«الألم هو انتقال الإنسان من كمال أعظم إلى كمال أقل» (التعريف الثالث). وكون اللذة والألم «انتقالا» هو الدليل على أنهما انفعالان مرتبطان بافتقار الإنسان إلى الكمال؛ إذ إن من طبيعة الإنسان أن يمر بأحوال مختلفة في درجة كمالها، وفي عملية الانتقال ذاتها تكون اللذة أو يكون الألم.
وهو يضيف إلى هذين الانفعالين الرئيسيين انفعالا ثالثا هو «الرغبة»، الذي هو التعبير المباشر عن ميل الإنسان إلى حفظ وجوده وعن كونه واعيا بهذا الميل،
15
وهو يعرف الرغبة بأنها «ماهية الإنسان ذاته، بقدر ما تتصور على أنها مسيرة، عن طريق تأثر أو تعديل لها، إلى فعل شيء ما.» وهي تشمل كل مساعي الإنسان واندفاعته وشهواته ومطالبه التي يسعى بها إلى تحقيق شيء ما؛ ومن هنا كان ارتباطها الوثيق بالماهية الأساسية للإنسان.
16
ولا يعترف اسپينوزا بانفعالات أصيلة سوى هذه الانفعالات الثلاثة: اللذة والألم والرغبة. ومنها يستنبط جميع الانفعالات الأخرى، وعن طريقها يشرحها. مثال ذلك أن «الحب ليس إلا اللذة مصحوبة بفكرة علة خارجية، والكراهية ليست إلا الألم مصحوبا بفكرة علة خارجية. وهكذا نرى أن من يحب يسعى بالضرورة إلى تملك واستبقاء موضوع حبه، بينما يسعى من يكره إلى إبعاد موضوع كراهيته والقضاء عليه.»
17
ومن الحب والكراهية ذاتهما يستنبط اسپينوزا مجموعة كبيرة من تعريفاته للانفعالات: مثال ذلك أن «الاستحسان هو الحب تجاه من عمل خيرا لشخص آخر»، والاستهجان هو «الكراهية تجاه من عمل شرا لشخص آخر». كذلك تستمد مجموعة كاملة من التعريفات من فكرة الرغبة، مثال ذلك أن «الطموح هو الرغبة المفرطة في المجد».
18
نامعلوم صفحہ