Speeches and Lessons of Sheikh Abdul Rahim Al-Tahan
خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان
اصناف
وهذا الحال الذي حكاه ربنا – ﷻ – عن فرعون المارد هو حال أمثاله من العتاة المنكرين لهذا النوع من التوحيد، إنكارهم قاصر على اللسان مع استيقان الحق بالجنان: "ولا يعرف عن أحد من الطوائف أنه قال: إن للعالم صانعان، وهما في الصفات والأفعال متماثلان، فالنصارى – عليهم لعنة الله – القائلون بالتثليث لا يثبتون للعالم ثلاثة أرباب ينفصل بعضهم عن بعض، بل متفقون على أن صانع العالم واحد، ولذلك يقولون: باسم الأب، والابن، والروح القدس، إله واحد، وقولهم في التثليث متناقض في نفسه، وقولهم في الحلول أفسد منه، ولهذا كانوا مضطربين في فهمه، وفي التعبير عنه، لا يكاد أحد منهم يعبر عنه بمعنىً معقول، ولا يكاد اثنان يتفقان على معنىً واحد فإنهم يقولون: هو واحد بالذات، ثلاثة بالأقنوم، والأقانيم يفسرونها تارة بالخواص وتارة بالصفات وتارة بالأشخاص، وقد فطر الله الجليل العباد على فساد هذه الأقوال بعد التصور التام" (١) .
... وإذا كان هذا النوع من التوحيد سلم به عامة الناس، واستيقنه كافتهم، ولم يجعله الرسل الكرام – عليهم صلوات الله وسلامه – محور دعوتهم، وليس هو الغاية من رسالتهم وبعثتهم، فلِمَ تكرر ذكره في آي القرآن، وعرض بمختلف الأشكال والألوان؟
... وإليك الجواب يا طالب العرفان – شرح الله الكريم صدري وصدرك بنور الإيمان، وطاعة الرحمن –: إن توحيد الربوبية سلمت به البرية، وذلك يستلزم (٢)
_________
(١) ما بين القوسين مأخوذ من شرح الطحاوية بتصرف يسير: (٢٤-٢٥)، وفي مجموع الفتاوى: (٢/٣٧-٣٨) يقرر شيخ الإسلام – عليه رحمة الرحيم الرحمن – أن توحيد الربوبية لم ينازع في أصله أحد من بني آدم، وإنما نازعوا في بعض تفاصيله، ونحوه في مدارج السالكين: (١/٦٢) .
(٢) تقدم أن توحيد العبادة يتضمن توحيد الربوبية وقررت هنا أن توحيد الربوبية يستلزم توحيد العبادة ولبيان معنى التضمن والالتزام أقول: دلالة الألفاظ الوظيفية ثلاثة أقسام:
الأولى: دلالة المطابقة وهي: دلالة اللفظ على تمام ما وضع له.
الثانية: دلالة التضمن وهي: دلالة اللفظ على جزء المعنى في ضمنه.
الثالثة: دلالة الالتزام وهي: دلالة اللفظ على أمر خارج عن المعنى لازم له.
انظر روضة الناظر: (٢/١٤)، وشرح السُلم: (٦)، وإليك أبيات السلم:
دلالة اللفظ على ما وافَقَهْ ... يَدْعُونَها دِلالة المُطابَقهْ
وجُزْئه تَضَمُنًا وما لَزِمْ ... فهو التزامٌ إنْ بِعَقل التزِمْ
1 / 53