رجع يقول: الحقيقة، ما تبسطش من ده الحال. رجعت أعس وأدور، لقيت ناس غرب كتير، كل ما أبص في وش الواحد منهم أقول أستغفر الله العظيم، مش معقول يكونوا من بر مصر!
قلت له: يأجوج ومأجوج؟
قال لي: عليك نور! همه بعينهم.
قلت له: لكن دول كانوا زمان قوي يا عم توت.
قال لي: ما هو احنا ما عندناش زمان ودلوقتي. كل عدوين بر مصر لقيتهم قدامي، كده على بعض، قل أرجع لأهل بلدي أصحيهم، وعنها وأنفخ في النفير؛ توت، توت. اتلموا علي. - مين؟ المصريين؟!
لأ، اللي عنيه خضر، واللي وشه أصفر، واشي لابس برنيطة. - وقدرت عليهم لوحدك؟ - حاوطوني زي النمل، وقتلوا عساكري كلهم، وكسروا العربية وقطعوا هدومي. ولولا ستر ربنا كانوا خلصوا علي، وأديني أهه، زي ما أنت شايف.
فقال عم إبراهيم وهو يتحسس جبهته كأنما يستخرج منها تفاصيل حلم قديم غاب عنه: في الليلة دي عملت الواجب اللي علي، الراجل اتعشى واتبسط، وكان عطشان شرب، واتمدد جنبي نام، أنا صحيت الصبح، فأسرعت أقول. لقيته متمدد جنبك.
فقال عم إبراهيم: لأ، لقيت واحد من الأنفار بيقول لي: قوم، قوم. أنا افتكرته توت بيصحيني. قلت له: أقوم فين يا سيدنا توت؟ أنا راجل غلبان وعلى قد حالي. لقيت اللي بيلطشني على وشي ويقول لي: قوم شيل لك مقطفين! يومها اشتغلت زي عوايدي، شيلت كام كوم تراب كانوا حوالين السكة دي، وانتظرنا لما جه الخواجة، فقلت أذكره: كارتر؟
فقال ساخطا: أنا عارف بأه! أهي أساميهم كانت مالية الجرايد أيامها. فتحنا أودتين من اللي كانوا مقفولين، أصلي كنت بأقف على أيديهم، وما كانوش يدوا سرهم لحد غيري. سألني على الزمارة. قلت له: معايا يا حضرة الخواجة. قال لي: خدي بالك منها، اوعى تنفخي فيها. قلت آه يا ابن اللئيم، ليكون حد قال له إنني نفخت فيها، مكرت عليه أنا كمان، وقلت له: ويجرى إيه يا خواجة؟ قام ضحك قوي وقال: دي كله يصخى يا خبيبي، كل الميتين دي يصخى.
قول الحكاية فاتت على خير، وفي ليلتها قاعد على باب المقبرة، حاطط إيدي على خدي، والأنفار نايمة حوالي مقطوعين النفس، وبأجرب في البوق: فو! ولا يوم القيامة. أتلفت حوالي، وحمدت ربنا إن ما حدش صحي، نفرين تلاتة اتقلبوا شوية من تعبهم، وبعدها اتخمدوا ناموا. وأبص بعد شوية، وألاقيه جاي من بعيد. - توت عنخ؟! - هو بعينه، ماشي زي الخيال، هدومه مقطعة، ووشه معفر، ورجليه حافية، ورايح في ربع حاله. قلت له: ما تقعد يا توت. قال لي: لأ، قوم. قلت له: أنا لسه ما اتعشتش، قوم كل لك لقمة معايا! قال: والله ما ليش نفس. قلت: طيب اقعد اشرب شاي. قال: لأ قوم ندخل جوة. قلت له: جوة فين؟ قال: مطرح ما كنت نايم، في التابوت! قلت له: كده يا سيدنا توت؟ بقى بعد ما صحيت وشفت الدنيا ترضى بالنومة دي تاني؟ قول يا شيخ أنا اتأثرت قوي من الكلمة دي. ميل علي وحط إيده على كتفي، وقال لي مصيرها تتعدل. قلت له: إزاي؟ قال لي: يعدلها من لا يغفل ولا ينام! بكرة ييجي اللي يصحيني. قلت له: ييجي منين يا توت؟! قال لي: اطمئن، من بر مصر طبعا! وعنها مشيت معاه أوصله؛ أصل المقبرة تتوه، لغاية ما وصلنا للأودة بتاعته. الرجل من نفسه دخل التابوت، ومدد رجليه، ونام. قال لي: ما تغفلشي يا عم إبراهيم؛ علشان فيه واحد هايجيني يصحيني.
نامعلوم صفحہ