50

صحت قائلة: «الولد! تقصدين الرجل.»

ضحكت مرة أخرى وأومأت برأسها اعترافا بذلك، واستطردت: «لكن تذكري، الأطفال أحباب الله.» «كيف عرفت ذلك؟ حسبتك ملحدة.»

بعض الأشياء التي جعلتني مستاءة منه لم يكن له يد في حدوثها؛ فعلى سبيل المثال صادف يوم ولادته أول يوم لي في المدرسة! ويا له من توقيت! كنت خائفة وأنا وحدي، لم يكن النظام الدراسي آنذاك مثل الآن حيث يذهب الأطفال إلى الحضانة أو الروضة أولا بضع سنوات. كنت ذاهبة إلى المدرسة لأول مرة وأنا أرى كل الأطفال الآخرين بصحبة أمهاتهم. لكن أين أمي؟ إنها في المستشفى تضع مولودها. وكان هذا مصدر إحراج لي، فحينها صاحب تلك الأمور حرج شديد.

لم يكن خطأه أنه ولد في هذا اليوم، كما لم يكن خطأه أن يتقيأ في حفل زفافي، ولك أن تتخيل، تقيأ على كل شيء؛ الأرض، والطاولة، حتى إنه وصل إلى الكعكة. لم يكن مخمورا كما اعتقد بعض الناس، لكنه كان يعاني من أنفلونزا شديدة جدا، وأصابتني عدواها أنا وهارو بعد ذلك؛ كان هذا في شهر العسل! لم أسمع قبل ذلك عن أحد مريض بالأنفلونزا يتقيأ بهذا الشكل على طاولة عليها مفرش من الدانتيل وعلى الشمعدانات وكعكة الزفاف. تستطيع أن تقول إن هذا سوء حظ؛ فأي شخص ربما يأتيه الشعور بالتقيؤ وهو قريب من الحمام. وأيضا أي شخص آخر ربما يحاول قليلا منع نفسه من التقيؤ. هذا لأن هذا الشخص الآخر ليس مميزا مثل أخي الصغير، وهذا الشخص الآخر ليس محور الكون مثل أخي الصغير. إنه طفل بداخله، كما قال عن نفسه بعد ذلك.

لن أتحدث عما حدث بين ولادته ويوم تقيأ في حفل زفافي، باستثناء أنه كان مريضا بالربو، مما جعله يغيب عن المدرسة أسابيع طويلة، وفي هذه الأثناء كان يقضي وقته في الاستماع إلى المسلسلات الدرامية. في بعض الأحيان عندما نعقد هدنة بيننا، أجعله يقص علي ما حدث في مسلسل «الأخت الكبرى» ومسلسل «طريق الحياة» وذلك المسلسل الذي تظهر فيه جيجي والأب ديفيد. كان يتمتع بذاكرة قوية جدا تمكنه من تذكر كل الشخصيات وسرد الأحداث بالتفاصيل المملة، ومن الجدير بالذكر أنه كان يقرأ كثيرا في سلسلة «الأبواب لعالم الكتب»، تلك المجموعة اللطيفة التي اشترتها لنا أمي، والتي هربها من البيت ذات مرة ليبيعها لتاجر الكتب المستعملة مقابل عشرة دولارات. كانت أمي دائما تقول إنه لو أراد أن يصبح نابغة في المدرسة لكان له ذلك، وكانت تقول: أخوك هذا داهية، دائما ما يفاجئنا بأفعاله، وهو بالفعل كذلك.

لم يعد يذهب إلى المدرسة نهائيا عندما كان بالصف العاشر، كان ذلك بسبب ضبطه ضمن مجموعة تغش، كانوا يسرقون امتحانات الرياضيات من مكتب المدرس؛ حيث كان يخدع البواب ليدعه يدخل المدرسة بعد انتهاء الدوام، بحجة أنه يعمل على مشروع خاص. هكذا كان أخي. كانت أمي تبرر ذلك بأنه يريد أن يكون محبوبا وسط زملائه لإصابته بالربو وعدم استطاعته المشاركة في الألعاب الرياضية.

الآن، سأتحدث عن أخي بالعمل. يستحسن أولا أن أصرح باسمه، إنه كام، اختصارا لكاميرون؛ وهو الاسم الذي اختارته أمي له؛ حيث إنه يناسب اسم رئيس جامعة، أو رجل أعمال شريف من كبار رجال الأعمال (هذا ما كانت تخطط له وتتمنى حدوثه). السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الذي يمكن أن يفعله شخص مثل أخي لكسب عيشه؟ حتى وقت قريب لم تكن الدولة تدفع إعانة لمن لا يملك المال الكافي ولا يعمل؛ لذا كان يجب على كل شخص العمل ليجد قوت يومه. استطاعت أمي أن تجد له وظيفة مرشد بالسينما، حيث كانت تعرف صاحب العمل الذي كان مديرا للمسرح الدولي القديم بشارع بلاك ستريت. اضطر أخي إلى ترك العمل؛ لأنه يعاني فوبيا الظلام، كما قال؛ فهو يشعر أن شكل الناس الجالسين بالظلام مريب ومرعب. ظهرت مشكلته مع الظلام في عمله مرشدا، لكن عندما يذهب إلى السينما مشاهدا فإنه لا يشعر بأي خوف، فهو مغرم بالأفلام؛ في الواقع، كان يقضي أياما بأكملها في التنقل بين دور السينما؛ فيجلس بواحدة ليشاهد نفس العرض مرتين، ثم ينتقل إلى أخرى ويشاهد ما يعرض هناك كما يحلو له. من المؤكد أنه كان يفعل شيئا يشغل به وقته، حيث كنا نعتقد جميعا، إضافة إلى أمي، أنه يعمل بمكتب محطة حافلات جريهاوند بعدما استقال من السينما. كان يخرج صباحا بميعاد العمل ويعود ليلا بميعاد نهاية الدوام، ويحكي لنا عن الرجل العجوز المسئول عن المكتب، وكيف أنه حاد الطبع، كما يحكي لنا عن تلك المرأة العجوز منحنية الظهر التي تعمل هناك منذ عام 1919، وكيف أنها تثور ثائرتها من البنات اللاتي يمضغن اللبان. أوه، يا لها من قصة محكمة التفاصيل تنبض بالحياة تصلح لأن تكون حبكة لمسلسل درامي؛ ما لم تكتشف أمي أنه يخدعنا، كان هذا عندما اتصلت تشكو من عدم استلامه لراتبه - بسبب خطأ مطبعي في حروف اسمه، حسب قوله - وهنا اكتشفت أنه استقال في منتصف اليوم الثاني لعمله هناك.

كل ما قالته أمي تعليقا على هذا: حسنا، الذهاب للسينما أفضل من الجلوس في الحانات، فهو على الأقل لم يتعاط مع العصابات الإجرامية. سألته ما الفيلم المفضل لديه، وقال إنه «سبع عرائس لسبعة إخوة»، ثم قالت لي معقبة: أرأيت؟ إنه يحب الحياة في الهواء الطلق، فهو لم يخلق للجلوس على مكتب. لذا أرسلته للعمل لدى بعض أقاربها الذين يمتلكون مزرعة في فرايز فالي. ومن الجدير بالذكر هنا أن والدي أنا وكام متوفى، كان متوفى في الوقت الذي كان كام فيه مصابا بالربو ويجلس بالبيت ليستمع إلى المسلسلات الدرامية. وفي الواقع لم تشكل وفاته فارقا كبيرا في حياتنا؛ فقد اعتدنا غيابه الدائم بسبب عمله محصلا لشركة الغاز والكهرباء، عندما بدأت نشاطها في سكواميش، كما عاش لبعض الوقت في ليلويت. فلم يتغير أي شيء؛ حيث كانت أمي تذهب إلى عملها عند آل إيتون كما كانت قبل ذلك دائما، كانت تذهب بالمعدية ثم تستقل الحافلة؛ وبينما كنت أحضر أنا العشاء، كانت هي تصعد التل في تثاقل في ظلمة الشتاء.

رحل كام من المزرعة بزعم أن أقارب أمي كانوا متدينين جدا، وكانوا دائما يحاولون إجباره على التجاوب معهم في هذا، وتفهمت أمي مشكلته، فهي التي قامت بتربيته ليكون صاحب رأي. سافر بعد ذلك متطفلا إلى الشرق، وكان يرسل لنا خطابا من آن لآخر. ذات مرة طلب أموالا حيث عرض عليه عمل في كيبيك إذا استطاع الحصول على المال للذهاب إلى هناك، فأرسلت له أمي المال. وكتب إلينا يخبرنا بأنه بدأ العمل، لكنه لم يرد المال. لقد أنشأ هو واثنين من أصدقائه مزرعة للديوك الرومي؛ وأرسلوا لنا خطط دراسة الجدوى والمقايسات، وكان من المفترض أن يعملوا لحساب شركة بيورينا، ومن ثم لن يكون هناك مجال للخسارة. بعدما أرسلت أمي له المال - وأرسلنا له نحن أيضا رغم إدراكنا أن هذا ليس قرارا حكيما - علمنا بأن الديوك قد غرقت جميعا جراء الفيضان. قالت أمي إن أي مكان يحل هذا الولد به يتحول لكارثة. وإذا قرأت عما حدث في قصة من القصص فلن تصدقها. وعلى قدر ما هو أمر فظيع فإنه مضحك في ذات الوقت.

كانت أمي على علم بذلك. اعتدت زيارتها كل أربعاء - يوم عطلتها - ذاهبة إليها أدفع عربة الأطفال وبها كارين، ثم وبها تومي حيث أصبحت كارين تسير على قدميها وتمشي إلى جواري، وكنا نتخذ طريق لونسدال، وطريق كينجز رود وصولا إليها. ترى ما الذي كنا نتحدث عنه طوال الوقت؟ كانت أمي تقول: سأترك هذا الصبي، بالتأكيد سأتخلى عنه في يوم من الأيام. وتساءلت: إلى متى سيظل يعتمد علي في كل شيء؟ لم أنبس ببنت شفة بشأن هذا الموضوع؛ فهي أولا وأخيرا تعلم رأيي فيه تماما، وكل مرة تنهي حديثها عنه قائلة: «مع ذلك فهو رفيق جيد بالمنزل، وصحبته لطيفة، فهو يجعلني دائما أضحك.»

نامعلوم صفحہ