والحافظ السَّخاوي بدوره ترجم للسيوطي في «الضوء اللامع» (١) ترجمة انتقده فيها بشدة؛ بل اتهمه فيها بالاختلاس، ووصفه بالحمق والهوى، وختم ترجمته بقوله: «فسبحان واهب العقول» !، إضافة إلى مصنفه «انتقاد مدعي الاجتهاد»؛ حيث كان السيوطي يزعم أنه مجدد المئة العاشرة، ثم مصنَّف السَّخاوي الآخر «الاعتبار والموعظة لزاعم رؤية النبي ﷺ في اليقظة»، الذي يردّ فيه على فتوى للسيوطي بجواز بذلك (٢) .
وقد استمرّت هذه المعركة حتى بعد وفاة الحافظ السَّخاوي، حيث نجد أحد تلاميذ السَّخاوي، وهو أحمد بن الحسين بن محمد الشهاب المكي المتوفى سنة (٩٢٦ هـ)، قد ألف رسالتين في الرد على السيوطي والدفاع عن أستاذه، الأولى بعنوان: «الشهاب الهاوي على قِلال الكاوي»، والثانية بعنوان: «المنتقد اللوذَعي على المجتهد المدَّعي» (٣) .
وعلى كُلٍّ؛ فإن كلام بعضهم في بعض لا يُقبل، لأن المقرَّر عند علماء الجرح والتعديل: أن كلام الأقران في بعضهم غير مقبول؛ مع ظهور أدنى منافسة، فكيف بمثل المنافسة بين هذين الرجلين، التي أفضت إلى التأليف في بعضهم البعض.
ومع ذلك فإن الحافظ السَّخاوي كان الأكثر التزامًا وموضوعية، ففي حين نجد الغريب العجيب من العبارات والاتهامات التي انتقد بها السيوطي السَّخاوي
_________
(١) (٤/٦٥-٧٠) .
(٢) علمًا بأن كلًاّ منهم كان يذكر صاحبه بخير قبل أن تحصل بينهم الوقيعة وبعد ذلك -أيضًا-، انظر -على سبيل المثال-: «مقامات السيوطي» (١/٦١٤ و٢/٧٨٠، ٩٦٦) .
ومن الفوائد المهمة جدًّا: أن السيوطي في مقاماته «الفارق بين المصنف والسارق» لم يقصد السخاوي البتة، بل فيها (٢/٢٢٨- «المقامات») ما يشير إلى أن المردود عليه سرق كتب السخاوي -أيضًا-، خلافًا لما هو شائع أنه ردّ عليه!.
(٣) انظر: «التحفة اللطيفة» (١/١٧٧- ١٧٨) .
1 / 55