اعلم يا إسكندر أن أول شيء اخترعه البارئ جل وعز جوهرا روحانيا نيرا في غاية الكمال والتمام والفضل صور فيه جميع الأشياء وسماه العقل وأن من ذلك الجوهر فاض جوهر آخر دونه في الرتبة تسمى النفس الملكية ثم ركبها بلطفه وتدبيره في الجسم المرئي المحسوس فجعل الجسم مدينة والعقل ملكها والنفس وزير كالخادم لهذه المدينة المدير لجميع أجزائها وأسكن العقل أشرق موضع في الجسم وأرفعه وهو الرأس والقلب وأسكن النفس جميع أجزاء الجسم كله ظاهره وباطنه فهي تخدمه وتدير العقل فإذا عرض في النفس شيء فسد الجسم والعقل وإذا عرض للعقل شيء وسلمت النفس A بقي الجسم سليما إلى أن يأذن الله تعالى بفساد الكل عند نفاد {{نفاذ}} العمر المقدر.
فتفهم يا إسكندر هذا الكلام تدبره وإقتد بفعل الله في جميع أمورك وليكن وزيرك واجدا تشاوره في جميع تدابيرك ومن رأيه إلى ما يخالف هواك فإنه أصح الرأي ولهذا قال هرمس لما قيل له لما كان رأي المستشار أفضل من رأي المستشير فقال أن رأي المستشار معرى من الهوى وهذا كلام صحيح، وإذا صح لك الرأي معه فلا تعجل واتركه يختمر يوما وليلة إلا فيما تخاف فواته فاستخر الله وعجله ومع التجربة وطول الخبرة يستبين لك حال وزيرك فعلى قدر محبة وزير فيك ورغبته في توجيه رئاستك يكون رأيه لك ولا تراع الاسان إذا كان الرأي الشباني صحيحا فإني أقول أن الرأي تابع للجسم فإذا هرم الجسم هرم الرأي معه.
صفحہ 16