سيرة الملوك التباعنة
سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
اصناف
من يمكن له تناسي أهوال حسان وسبيه لأميرتها الشاعرة المحبة منفتحة الحس والبصيرة «الزرقاء» مكبلة في قيودها، وهي تلعنه وتصفعه بقيودها في إقدام. - غدا تسقيك الأيام والليالي الحبالى يا حسان، من ذات الكأس. - غدا، ذلك الذي أراه، تجز رأسك عن عنقك المتكبر، بذات أسلوب الغدر.
ولعله هو بذاته ما حدث وانتهى إليه مصير عمه الملك التبع حسان.
لكن شتان ما بين ذلك الملك السمح البناء ذو اليزن، وبين عمه حسان.
ومن هنا كان ذلك الحماس الجارف الذي تفجر فجأة، كمثل نهر جارف مكتسح بين جموع القبائل في يثرب وما حولها، حين سمعت طبول الإيذان بالرحيل تجيء دقاتها بطيئة على استحياء وكأنها تود الاستئذان، لاستكمال مهام الرحيل والزحف، وهو ما لم يصدقه أحد من سكان يثرب وتخومها من العرب الشماليين، حين سرى الخبر سريعا حول إقدام التبع ذو اليزن وجنده على الاستعداد للرحيل عن يثرب وشمال الجزيرة، لاستكمال رحلة أهدافه في ربوع الشام ومصر «العدية» حتى أواسط أفريقيا.
وبدت الجموع كمن تستيقظ من غفوتها بعدما توثقت الروابط وازدهرت العلاقات والمصاهرات.
بل إن ما أحزن الجميع لفراق ذو اليزن، هي تلك المشاريع الجزيلة العطاء والفائدة التي خلفها ذو اليزن ووزيره الحكيم «يثرب» وبقية حاشيته ومقربيه، من تكريم لبيت الله، وإنشاء مدينة يثرب، وشق الأنهار والترع على طول البلاد.
وكانت قد تجمعت الوفود بمشاعلها المتوهجة مودعة ذو اليزن وجيشه معبرة عن مرارة الفراق والغياب. - تصحبكم السلامة.
وهكذا واصل ذو اليزن، على رأس جيشه، الزحف الذي استغرق أياما إلى أن شارفوا مدينة «بعلبك»، بأسوارها وقلاعها الحصينة التي تقطع بضخامتها الفراغ المحيط، مشرئبة ببواباتها النحاسية العالية التي يعلوها الحراس المدججون بالسلاح وخوذات الحرب المعدنية اللامعة.
ولم يشأ التبع اليمني إعلان الحرب أو غزو بعلبك مفضلا الحكمة على العدوان.
كذلك لم يصدر عن ملك بعلبك مبادرة إعلان حرب أو قتال، حين وصلته أخبار نزول جيش ذي اليزن الجرار بالسهول والتلال البعيدة الغور عن تخوم المدينة.
نامعلوم صفحہ