سيرة الملوك التباعنة
سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
اصناف
وحين حاول حنظلة الانسحاب استوقفه؛ ليطرح عليه مدى أخطار ما هو مقبل عليه في تلك الحملة؛ ذلك أن التغلبيين من بني ربيعة سكان تلك البلاد، وكذلك أبناء عمومتهم «بني مرة» الذين عرفوا بالبكريين، ما هم سوى شعوب بحرية، ولن يتم الوصول إليهم إلا عن طريق البحر وهم سادته منذ أقدم العصور.
ومرة أخرى استشاط التبع حسان غضبا في وزيره المعارض لرغباته وطموحاته على ذلك النحو الصادم المحبط.
فما كان من الوزير حنظلة، إلا أن شرح له أمر أولئك الأقوام، ومدى وعورة الطريق إليهم، وهم الذين جابوا ربوع العالم القديم ببحاره ومحيطاته شرقا وغربا، بسبب تجارتهم الواسعة وعمق معرفتهم بالبحر وأغواره.
وواصل الوزير العليم إخبار التبع بكل ما يعرفه ووصل إلى علمه عن «سكان الثغور» ومدى تفوقهم واتساع علمهم بكل صغيرة وكبيرة مجالها البحر وأخطاره.
يضاف إلى ذلك قدرة تلك الشعوب من «تغلبيين وموارنة» على القيام بالخدع والحيل ، التي أكسبتهم من قبل النصر على كل طامع في بلادهم وثرواتهم.
وفي النهاية تفهم الملك حسان مغزى حديث وزيره حنظلة، وهو أهمية الإعداد البحري لتلك الحملة التي سيسيرها إلى الشام وفلسطين لحصارهما، بالإضافة إلى حاجته الملحة والضرورية في الاستزادة بالمعرفة اليقينية لظروف وطباع ومدى بأس تلك الأقوام التي هو مقبل على غزوها.
وأبقى الوزير الحكيم حنظلة على تحذيره من ذلك الخطأ الجسيم، وذلك في الإقدام على غزو أقوام ومحاربتهم لا تكتمل معرفته بها، كما حدث في حروب الآسيويين على مشارف الصين، ومدى ما تكبده الجيش اليمني من إحباط وخسائر.
وبهذا القول الحصيف تمكن الوزير من كبح جماح رغبات التبع حسان وطموحاته وحتى «لا تقع الفأس في الرأس» كما حدث في السابق.
ومن هنا أرسل حسان برسله إلى تلك البلاد ليأتوه بأخبارها ودقائق مسالكها وحكامها.
كما أمر التبع حسان من فوره بالانكباب على تجهيز السفن والمراكب البحرية التي ستحمله وجنوده وعتاده، إلى ربوع الشام ولبنان وفلسطين، حتى إذا ما استكمل بناء السفن والمراكب، وعاد رسل الملك محملين بالأخبار والمعلومات عن كل صغيرة وكبيرة في ربوع الشام وفلسطين، وأرسل الملك حسان بنفسه إلى ابن أخته - الملك الرعيني - المعين من قبله على الحبشة والسودان، يخبره بأهمية تجهيز المؤن والرجال لإمداد حملته في الشام وفلسطين، وبعد ذلك أصبح الطريق مفتوحا أمام الملك للخروج بحملته، بعد أن استقر رأيه الذي رجحته عمته البسوس، بتعيين ابنه الأكبر - الصحصاح بن حسان - ليخلفه مكانه على حكم حمير، في غيابه.
نامعلوم صفحہ