سيرة الملوك التباعنة
سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
اصناف
وسرى الخبر أول الأمر من جبل ضهر المتاخم لصنعاء، ومنه إلى بقية بقاع حمير، في عدن وحضرموت وسبأ وذي الرمحين وصرواح وإرم ذات العماد. - الآن أصبح حسان اليماني حقا، تبع حمير المهاب، ارتفعت الرايات والبيارق والزينات، وامتدت حلقات الرقص والسمر، ونحرت الذبائح من نوق وجمال وماعز.
كل ذلك كان يحدث مدويا في أذني التبع الجديد حسان كعويل، وليس أبدا إيذانا واحتفالا باعتلائه عرش «التباعنة» العظام.
فلم يكن قد أفاق بعد من هول أحزانه الدفينة التي تزايدت منذ إقدامه على قتل أخيه الوحيد المريض «عمرو» في فراشه، وعلى مشهد من زوجته وطفله الوحيد «ذو اليزن» يبكي في حرقة على صدرها. - «أأقتل أخي عمرو، بيدي هاتين؟»
ظل التبع الجديد لأيام لا يذوق للنوم طعما، بل حاول جاهدا ألا يمس بيديه الاثنتين، الملوثتين بدم الشقيق، أي شيء.
ورفض استقبال أي من المقربين منه فيما عدا ابنته «تدمر» التي حاولت بكل ما أوتيت من حكمة ورجاحة عقل التخفيف عن والدها، مدعية أن لا دخل له يذكر فيما حدث، بل إن عمها الراحل الحبيب «عمرو» كان من جانبه يسعى إلى الموت سعيا، شأن كل الضحايا والقتلى.
وراحت «تدمر» تلثم في حنان كفي والدها طريح الفراش - حسان - وساعديه في حنو، وهي تدرك ببصيرتها الصائبة ما أصبح يعانيه من فعلته الشنعاء التي شارك الجميع في دفعه إليها دفعا. - أخي عمرو ماذا بقي لي؟
بل إن الأميرة تدمر، شاركت والدها مقاطعة كل ما يحدث من احتفالات تنصيبه، وتوافدت الوفود ما بين ملوك وأمراء وشيوخ قبائل وفرسان من كل صوب وحدب باتجاه قصر الملك التبع حسان إلا أنه رفض استقبال الجميع.
وزين قصر عمته البسوس بالزينات البهيجة، وعزفت الموسيقى داخل ردهاته وعمت الأفراح كل كيانات حمير في اليمن والجنوب العربي وشواطئ بحاره الجنوبية ابتهاجا باليوم المنشود الذي لا بد، وأن ينعم فيه الجميع بدفء الأمان المعزز دوما بسطوة «التباعنة» وملوكها منذ شداد بن عاد الكبير.
ومن هنا تجددت التحالفات، وبدأ فرسان القبائل يأخذون طريقهم إلى الميادين لمواصلة تمارينهم استعدادا لإعادة انتصاب الرايات التي نكست طويلا، منذ موت التبع أسعد وتنفيذ ابنه ووريثه حسان لوصيته - المفزعة - أيا كانت، حتى وإن تمثلت في قتله لأخيه الأصغر عمرو الحبيب.
فالآن فقط يمكن لحمير أن تسلم قيادها للتبع الجديد المتجبر القاسي القلب، يقودها إلى حيث يشاء دون كثير عناء.
نامعلوم صفحہ