سيرة الملوك التباعنة
سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
اصناف
استوقفته في بعض الأماكن أصوات ذلك البكاء والعويل على أبيه التبع الراحل مشيرين إلى فرسه الحمراء:
كأنك «يا حمرا» بتصيري
تحت رياح الندابات
غاب اللي يعرف مقدارك
يملأ لك لحد عبارك
وإن خست من القمح يزيدك.
وما إن تلمس طريقه المؤدي إلى حيث مغارة تلك السيدة المنتشية بالدم، حتى مضى من فوره صاعدا لا يلوي على شيء، إلى أن توقف مستطلعا ودخل المغارة الموحشة الحجرية، المحاطة بالتماثيل الرخامية والمرمرية العملاقة، كمثل معبد شاهق.
ترجل عن حصانه، وتقدم منه على الفور من اقتاد الحصان إلى طاولته وربطه مقدما له الطعام في صمت وقور.
واستغرق التبع حسان طويلا في تأمل تلك المنحوتات التي صيغت من نفيس الأحجار الصلدة نصف الكريمة، لمعبودات وثنية ورموز وأشخاص، تعرف فيها على جدوده التباعنة اليمنيين الذين حكموا طويلا تلك البقاع، تعرف على «شداد بن عاد الكبير» وعلى «يشجب بن يعرب بن قحطان»، وعلى الكثير من تماثيل والده التبع أسعد بالذات.
ودمعت عيناه حين شاهد منحوتات إخوته الأربعة الذين أودت بحياتهم تلك الحرب الأخيرة المشئومة في ربوع الصين والشرق الأقصى، فكان موتهم السبب الرئيسي فيما حل بأبيه من أحزان ثقيلة عاتية، أنزلت ببصره وجسده السقوم، خاصة حين كان يجيء برءوسهم - المحنطة - المحفوظة، على أوعيتها الذهبية، ويتأملهم في حسرة نادما باكيا، الليلة بعد الأخرى، حتى إذا نام تحاصره الأحلام والكوابيس دون مهرب، واشتدت عليه أحزانه وأسقامه حتى أودت بحياته قبل الأوان.
نامعلوم صفحہ