سيرة الملوك التباعنة

شوقی عبد الحکیم d. 1423 AH
126

سيرة الملوك التباعنة

سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا

اصناف

بعدها لم تعرف قمرية كيف تتصرف، وهي تشهد بعينيها انزواء الملك واكفهراره تحت ثقل علته العاتية التي حيرت جميع حكماء ومطببي الأرض.

استقدموا له حكماء مصر والشام واليمن والهند، الذين تزاحموا على قصره من كل صوب، ولكن لا من دواء شاف.

وظل ذو اليزن تائها عبر غيبوبة مرضه العضال الأيام والشهور الثقيلة لا يسأل عن شيء إلا عن ابنه المنتظر. - لن أموت قبل أن تكتحل عيناي برؤيته بين أحضانك يا قمرية.

وهذا الجواب لم يكن يسعف قمرية أو يروي أحزانها فكانت تلجأ للدموع: ها هو يضحك لك من أعماقي.

ابتسم الملك في وهن. - سيف، سيف، متى؟

اكفهرت قمرية وغاب عنها لونها، وهي تشهد الملك الذي أحبته من أعماق أعماق قلبها يعاني آلامه المبرحة على هذا النحو، خاصة بعدما سمعته يتعجل رؤية وحيده على هذا الشكل الملح. - متى؟

قاربته محتضنة في انفعال، وهي تمسح عنه بكف يدها الحانية، خيوط عرقه النازف على وجهه وجبهته العالية المشرئبة في سمو، قائلة وهي تضاحكه مخفية عنه آلامها ومعاناتها مما سمعته وأصبحت لا تقدر على الإفصاح عنه. - أتقول متى، تراهنني على أنك ستشفى حالا من آلامك العابرة هذه، وفي عزك ومجدك سيتربى سيف وينمو.

غمغم ذو اليزن بفروسيته المعهودة متقبلا تحديها له: أجل، أراهنك بعرشي كله. - أنا لا أبغي عرشا ولا مجدا في هذا العالم سوى أن أنمو إلى جانبك مجرد نبتة، ويمكن القول زهرة برية في أحضان سنديانة، أرزة تعادي الفناء. - الفناء، الفناء.

تساءل معاودا تحسس بطنها وذلك النابض في أحشائها: ومن قدر له قبل الإفلات من قبضتيه الفناء الدهر، ذلك الغول الختور الذي يلتهم الرجال.

عندئذ استدارت عنه قمرية برأسها متجهة إلى حيث مدخل القاعة الشرقية، وحيث كان يقف منكمشا الوزير «يثرب» ومن خلفه كوكبة من الأمراء والسفراء والرسل الذين كانوا في انتظارها على أحر من الجمر.

نامعلوم صفحہ