لما رأى الفاتح انتصار جنوده لأول مرة بمجرد إقدامهم بالأقدام قبل أن يضطروا لمساعدة السواعد، نشأ في قلبه حب فتح القسطنطينية تثبيتا لدعائم مملكته وحفظها من كل طارئ ومفاجئ.
نعم كانت القسطنطينية إذ ذاك قليلة عدد السكان، ولا يتبعها سوى مدن صغيرة كسلوري وسواها، ولكنها لم تنزل عن كونها البقية الباقية من إمبراطورية رومية العظيمة، ولا تزال نادي العلوم والفنون الغربية ومركز الكنيسة الشرقية، فمحاولة ضبطها يعتبر تعرضا ظاهرا وعداوة بينة للعالم المسيحي.
وقد كان موقع المدينة على غاية من المناعة الطبيعية ومجهزا بكل وسائط الدفاع المستعملة آنئذ، مما يجعل الآمال ضعيفة بفتحها، كما أن كثيرين من الأبطال رجعوا عنها بخفي حنين.
هذا عدا عن أن الأمير أورخان من الأسرة المالكة وحفيد سليمان الجلبي كان رهنا عند الإمبراطور، فلو ترك حبله على غاربه وعاد إلى أية بقعة من بلاد الدولة لأخذت الثورة بالظهور.
أعد ذلك خليل باشا في عداد ما أعده من العراقيل والعثرات في سبيل الفاتح، وجعله سلاحا قاطعا يستعمله ضده عند مسيس الحاجة.
واتفق أن الإمبراطور أوفد سفيرا إلى العاصمة يطالب بتخصيصات للأمير المرهون، وتجاوز هذا السفير حدود الرسميات وآداب اللياقة بأن تهدد الحكومة العثمانية بإطلاق سراح الأمير وفك عقاله إن لم تجبه إلى طلبه، فوجد الفاتح في ذلك مجالا للعمل فسيحا وذريعة مناسبة للقضاء على سياسة الروم الخرقاء، وأخذ يمعن الفكر وينعم النظر في الطرق المؤدية إلى ذلك.
يروي التاريخ أن الفاتح دعا وزيره خليل باشا سحرا ، فاضطرب الوزير لهذا الطلب الفجائي وحسب له ألف حساب، واستصحب معه كمية وافرة من الذهب ليرفعها إلى الملك ويستبقي بها حياته.
ولاحظ السلطان على وزيره هذا الاضطراب، فبادأه بقوله: وزيري، لا أطلب منك مالا ولا منالا، ولست أريد بك سوءا، بل أود منك أن تكون لي عونا فيما أنويه من فتح القسطنطينية، إن هذه الأمنية هي شغلي الشاغل والمحور الذي تدور عليه آمالي. انظر هذه الوسادة، إنها توعكت من كثرة ما تقلبت عليها ذات اليمين وذات الشمال، ولم يجد الكرى إلى جفني سبيلا.
أنا لا يهدأ لي بال ولا يقر لي قرار إلا متى تم على يدي هذا الفتح العظيم وتسنى لي هذا العمل المجيد.
أما الوزير فلما اعتقد بأن ما انتقده على السلطان كان وهما باطلا، وأنه لم يبطن له شرا سري عنه وانبسطت نفسه، ووعده وعدا أكيدا بالمعاونة، وانتهت هذه المفاوضة الليلية بأمر السلطان القائل بصوت جهوري: «إياك ثم إياك أن تنخدع بأموال الروم.»
نامعلوم صفحہ