واتخذ الرواد الهلالية الثلاثة طريقهم إلى غزة وحاكمها السركسي المسمى بابن نازب، ومنها إلى مصر «العدية» وأكرمهم حاكمها «الفرمند بن بامنوج»، بل هو رافقهم بفرسانه حتى تخوم الديار الليبية، حتى إذا ما حطوا رحالهم بتونس، احتالوا حتى دخلوها عبر أسوارها الشهيرة ومدحوا الزناتي خليفة، فأحسن إليهم، ثم باعوا جارية هلالية تدعى «مي» إلى سعدى ابنة الزناتي خليفة حاكم تونس.
1
إلى أن اكتشف أمرهم «العلام» ابن عم الزناتي خليفة «ونائبه في معاملات الأحكام»، فاحتال بدوره للقبض عليهم ومواجهتهم بأنهم أمراء وبصاص بني هلال المتسللين أو الجواسيس.
وبعد مفاوضات طويلة شارك فيها الزناتي خليفة ذاته انتهى الأمر بتدخل الأميرة سعدى ابنته التي هددت أباها بأن هؤلاء الأغراب لا يستحقون القتل، وإلا أدان مثل هذا الفعل القبيح لإذلال الغرباء وأسرهم أو قتلهم، بدلا من إكرامهم والترحيب بهم في تونس، خاصة وهم شعراء جوالون بما يساعد على إشاعة خبر اغتيال الزناتي لهم؛ ليصبح مسبة في الأفواه.
ثم أشارت سعدى، أو سعدى، بحبس الشابين في قصرها المنعزل بالسجن الملحق به وإطلاق سراح العبد أبي زيد ليعود بالإثبات والفداء:
يقول أبو سعدى الزناتي خليفة
فعقلي تراه قد غدا محتار
أتوني جواسيس من الشرق عا
جلا إمارة أفاضل من فروع كبار
وحينما اقتنع الزناتي خليفة على مضض برأي سعدى ابنته أمر وزيره العلام بإطلاق سراح أبي زيد ليعود بالفدية، أما سعدى فأودعت الأمراء الأسرى سجنها. «وحين انطلق أبو زيد الهلالي واصل من فوره استطلاعه للمدائن حتى أشرف إلى وادي الغباين وتلك الأماكن، فوجدها كثيرة المياه والنبات متسعة البراري والفلوات، تصلح للحرب والقتال ومرعى النوق والجمال، ثم صار من هناك إلى قابس ومنها إلى دروس فوجدها أحسن محل لامتلاك تونس، وقد تعجب من خيرات البلاد وكثرة ما فيها من الإيراد ومشاهدة من البلدان الكثيرة والمياه والبساتين الغزيرة، فانشرح خاطره وطابت سرائره.»
نامعلوم صفحہ