إذا هم ألقى بين عينيه عزمه ... ونكب عن ذكر العواقب جانبا طال والله ما التقت الصفوف، وقامت سوق الطعن والضرب عند ساقي كأس الحتوف، ولحظت المنايا عن أعين زرق في أوجه سود، وتعاركت الأبطال بأيدي رجال وقلوب أسود، وتعانق الأقران عناق المكافحة لا عناق المصافحة، وأذكت الحرب نارا وقودها النفوس، وشهدت الطير عرسا نثاره الرؤوس، وخاضت الخيل الدم حتى صار أشهبها أدهم، وهو عليه السلام هلال عثير الكتيبة، وصارم الضريبة، يلوذ به الفرسان، ويأنس بضربه الشجعان، يزداد إقداما عند إقدام أعدائه حتى تظلهم ذوائب لوائه، ولو عددنا مقامات شهدها، ومواطن حرب كان أسدها؛ لمددنا أطناب الإطناب، ولخرجنا إلى الإسهاب في هذا الباب، وليسأل السائل العقاب وسناع وتلك الهضاب، وقارن وتلك الحداب، وحضور يوم قل الأحزاب، وغير ذلك من المقامات التي يشهد لها فرسانها، ويحكم لها سيفها وسنانها، ألم يكن فيها كما قال:
وإذا مج القنا علقا .... وترى الموت في صوره
راح في تفني مفاضته .... أسد يدمي شبا ظفره
في حيث تطلق الأرواح الأجسام، وتقهقر الأسود عن الإقدام.
واسأل يخبرك القليس وصعدة ... وذمار إن سألتها أو مأرب
وسنذكر في مفردات مقاماته الهائلة في أثناء سيرته العادلة ما
يكفي بعضه المنصف ويذهل مجموعه عقل المتعسف ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(فصل) وأما مناقبه وخصائصه في التواضع والأدب
فما عسى أن أقول فيمن كان قوت النفس، ومادة الأنس، رب الفضائل، وحميد الشمائل، فما أشبهه بقول البحتري حيث قال في مدح متواضع:
دنوت تواضعا وعلوت مجدا .... فشأناك انخفاض وارتفاع
صفحہ 25