(فصل) وأما خصائصه في الكرم
فما أظن عدوا له ينكر ذلك ولا يدفعه، فكيف بأوليائه، حاز خصال السبق في مضمار الكرم، وبرز إلى حيث لا يبلغ أحد إلى عشر معشار، فإن نظرت في شرف نفسه قبل قيامه فهو من قد عرف الخاص والعام، يقصده القاصد ...... يناديه القاصد فيكرم كل واحد منهما ترحيبا وتكريما، وإجلالا وتعظيما حتى يستحقر ماوراء ذلك من المطاعم، ويستصغر في جنب ذلك مناقب الأكارم، لا يدع نوعا من أنواع الكرامة مما يدخل تحت إمكانه حتى يأتيه، ولا مفخرا مما يتفاخر به الأجواد حتى يرتقيه ما لم يكن ذلك مكروها، فما أحقه بقول القائل:
يجود بالنفس إن ظن الجواد بها .... والجود بالنفس أقصى غاية الجود
ولقد كان يمضي وهن من الليل وهو منقبض عن أكل الطعام ينتظر طارقا غرثانا.
وأما بعد قيامه فمناقبه أكثر من أن تحصى، روى الثقات أنه وهب في موضع واحد في ساعة أو ساعتين اثني عشر فرسا.
وأخبرني هو عن نفسه أنه أعطى في مقامه بالجنات في أربعة أشهر وأيام نيفا وثمانين فرسا -ليس الخبر كالعيان- وهب وهو على عضادتي المطهر بقارن أربعة عشر فرسا، وأعطى رجلا من كبار العرب في يوم واحد اثني عشر فرسا، ولقد كان يعطي لله ولنفع الإسلام والمسلمين، وكفا لعادية المعتدين، ولقد روى عن نفسه وأشهد في الرواية الفقيه العلامة حسام الدين حميد بن أحمد المحلي رضوان الله عليه أنه أنفق في أول سنة من قيامه في دون الستة الأشهر نيفا وثلثمائة ألف درهم أكثر ذلك مما رزقه الله تعالى من البر والنذور، ولقد كان يستقل الكثير للسائل ويعتذر مع الإنعام العريض الطائل، وما ظنك بواحد بذت عطاياه عطايا الملوك الجزيلة حتى زاحمهم على مملكتهم، واستولى على معاقلهم، ولقد كان يتهلل للوافد والسائل كأنه المعطى كما قال زهير في مدح هرم بن سنان:
صفحہ 20