فما ظنّكم بالنّجل عند جزائه ... أولئك أهل الله والصّفوة الملا
هذا استفهام تفخيم للأمر وتعظيم لشأنه، أي: ظنوا ما شئتم من الجزاء بهذا الولد الذي يكرم والداه من أجله. والنجل النسل كالولد، يقع على المفرد والجمع قوله: أولئك أهل الله أشار إلى قوله ﵊: «أهل القرآن هم أهل الله وخاصته». قوله:
والصفوة أي: الخالص من كل شيء، وفي صاده الحركات الثلاث، والرواية الفتح والكسر أشار إلى قوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا [فاطر: ٣٢]. والملا بفتح الميم أشرف الناس وهو مهموز أبدل همزه ألفا للوقف، أشار إلى قوله ﵊: «أشرف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل».
أولو البرّ والإحسان والصّبر والتّقى ... حلاهم بها جاء القرآن مفصّلا
أي هم أولو البر، والبر الصلاح والإحسان فعل الحسن، والصبر حبس النفس على الطاعة وردعها عن المعصية وأصله في اللغة المنع، والتقى اجتناب جميع ما نهى الله عنه.
قوله: حلاهم أي صفاتهم، جاء بها القرآن مفصلا أي مبينا أي أهل الله جمعوا صفات الخير المذكورة في القرآن نحو قوله تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ [المطففين: ٢٢]، [الانفطار:
١٣]، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة: ١٩٥]، وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران:
١٤٦]، وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ [آل عمران: ٦٨]، إلى غير ذلك من الآيات العظيمة المتضمنة لهذه المعاني والقرآن في البيت بلا همز كقراءة ابن كثير.
عليك بها ما عشت فيها منافسا ... وبع نفسك الدّنيا بأنفاسها العلا
أي بادر إلى صفاتهم وألزمها ما عشت، أي مدة حياتك فيها منافسا أي مزاحما فيها غيرك، وبع نفسك الدنيا أي أبدل نفسك الدنية بأنفاسها العلا أي بطيب أرواح الأعمال الصالحة التي هي علا، والأنفاس جمع نفس بفتح الفاء، والعلا بضم العين صفة الأنفاس.
جزى الله بالخيرات عنّا أئمّة ... لنا نقلوا القرآن عذبا وسلسلا
قال ﵊: «إذا قال الرجل لأخيه: جزاك الله عني خيرا فقد أبلغ في الثناء»، معناه كأنه يقول: يا رب أنا عاجز عن مكافأة هذا فكافئه عني، دعاء لكل من نقل القرآن من الصحابة والتابعين وغيرهم إلينا لقوله ﵊: «من أولى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له». قوله: عذبا وسلسلا. أي: نقلا عذبا لم يزيدوا فيه ولم ينقصوا منه، ولا حرفوا ولا بدلوا، وعذوبته أنهم نقلوه إلينا غير مختلط بشيء من الرأي
بل مستندهم فيه النقل الصحيح، والعذب الحلو، والسلسل السهل الدخول في الحلق.
فمنهم بدور سبعة قد توسّطت ... سماء العلى والعدل زهرا وكمّلا
أي: فمن تلك الأئمة الناقلين للقرآن سبعة، جعلهم كالبدور لشهرتهم وانتفاع الناس بهم، والبدر إذا توسط في السماء وسلم مما يستر نوره وكمل فهو النهاية، والعلى الرفعة والشرف، والعدل الحق، واستعار للعلى وللعدل سماء وجعل هذه البدور متوسطة بها، وفيه إشارة إلى أن من لم يتوسط هذه السماء ليس من بدور القراء والأزهر المضيء والكامل التام.
1 / 8