وسلّم لإحدى الحسنيين إصابة ... والأخرى اجتهاد رام صوبا فأمحلا
أي إذا اجتهد العالم فأصاب فله أجران أي أجر اجتهاده وأجر إصابته، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر أي أجر اجتهاده: أي سلم لي حالي وأمسك عن لومي لحصول إحدى الحسنيين لي ثم بينهما فقال إصابة أي إحداهما إصابة وهي التي يحصل بها الأجران للواحد والأخرى اجتهاد لا يحصل معه الإصابة وهو الذي يحصل به الأجر الواحد أشار إلى قوله ﵊: «من طلب علما فأدركه كان له كفلان من الأجر وإن لم يدركه كان له كفل من الأجر». وعبر عن الخطأ بعد الاجتهاد بقوله: «رام صوبا فأمحلا»، ومعنى رام حاول وطلب، والصوب نزول المطر والمحل جفاف النبات لعدم المطر. وقوله: سلم معناه
وافق، وإصابة بالرفع الرواية، ويجوز فيها الجر على البدل من إحدى الحسنيين:
وإن كان خرق فادّركه بفضلة ... من الحلم وليصلحه من جاد مقولا
أي وإن وقع في نسيجه خرق كنى بالخرق عن الخطأ، رشح استعارة النسج والهلهل بالخرق للعيب. قوله فأدركه، أي فتدارك ذلك الخرق بفضله من الحلم، أي من الرفق والحلم هنا الصفح وأصله تأخير المؤاخذ، وليصلحه أي يزيل فساده من جاد مقولا والمقول اللسان وهو بكسر الميم، وأذن في هذا البيت لمن وجد خطأ في نظمه وجاد مقوله أن يصلح ذلك الخطأ وهذا تواضع منه:
وقل صادقا لولا الوئام وروحه ... لطاح الأنام الكلّ في الخلف والقلا
أي وقل قولا صادقا، لولا الوئام أي لولا الوفاق وروحه أي وروح الوئام أي حياته، لطاح لهلك الأنام، والأنام الإنس، وقيل الإنس والجن، وقيل كل ذي روح. والقلا البغض، أشار إلى قوله ﵊: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم»، أي لولا الموافقة لهلك الأنام في الاختلاف والتباغض وفي المثل السائر: «لولا الوئام لهلك الأنام».
وعش سالما صدرا وعن غيبة فغب ... تحضّر حظار القدس أنقى مغسّلا
عش: أي دم سالما صدرا، أي خالص الصدر من كل غش «وعن غيبة فغب» أي لا تحضر مع المغتابين، وقوله تحضر من الحضور حظار القدس، الحظار والحظيرة ما يحوط به على الماشية من نحو أغصان الشجر ليقيها البرد والريح. والقدس الطهارة، وحظار القدس الجنة، وقيل: هو موضع في السماء فيه أرواح المؤمنين وعليهما المعنى. وأنقى نظيف أي نقيا من الذنوب مغسلا أي مطهرا منها.
وهذا زمان الصّبر من لك بالّتي ... كقبض على جمر فتنجو من البلا
هذا إشارة إلى زمانه: أي هذا الزمان زمان الصبر لأنه قد أنكر المعروف وعرف المنكر، وأوذى المحق وأكرم المبطل، فمن يسمح لك بالحالة التي لزومها في الشدة كقابض على جمر فتأس به فتسلم من العذاب، أشار إلى قوله ﵊: «يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر». ويقال فيما يستبعد وقوعه: «من لك بكذا». والبلاء ممدود قصره وأصله الاختبار، والمراد به هنا عذاب الآخرة:
ولو أنّ عينا ساعدت لتوكّفت ... سحائبها بالدّمع ديما وهطّلا
ساعدت أي عاونت صاحبها على البكاء لتوكفت أي قطرت، يقال: وكف البيت وكفا إذا قطر.
1 / 23