نعم ضم حرك واكسر الضم أثقلا، والإسكان ضدهما معا، وإنما قال في هذا البيت والإسكان آخاه ولم يستغن بما تقدم في البيت الذي قبله لفائدة، وليس هذا بتكرار. أراد به إذا ذكر التحريك غير مقيد فضده الإسكان، وإذا ذكر الإسكان فضده الفتح إذا كان الإسكان غير مذكور الضد كقوله: ويطهرن، في الطاء السكون
فضد هذا السكون الفتح لأنه ذكره ولم يذكر له ضدا، فإن كان للسكون ضد غير الفتح فلا بد من ذكره وتقييده كقوله:
وحيث أتاك القدس إسكان داله ... دواء وللباقين بالضم أرسلا
لما كان ضد الإسكان هنا الضم ذكره وعينه. وكقوله: وأرنا وأرني ساكنا الكسر. ثم شرع يذكر بقية الأضداد التي اصطلح فيها فقال ﵀:
وآخيت بين النّون واليا وفتحهم ... وكسر وبين النّصب والخفض منزلا
أخبر أنه آخى بين النون والياء، وبين الفتح والكسر، وبين النصب والخفض. وفعل ذلك لكثرة دورهما في التراجم وفرق بين لقبي الفتح والنصب، وبين لقبي الكسر والخفض، على اصطلاح البصريين في التفرقة بين ألقاب حركات الإعراب والبناء.
فحاصل هذا البيت أن النون والياء ضدان، وكل واحد منهما يدل على صاحبه، فمتى كانت القراءة دائرة بين الياء والنون فإذا ذكرت الياء لقارئ نحو قوله: ويا ويكفر عن كرام، فتأخذ للمسكوت عنهم النون لتصريحه بالياء، وإذا ذكر النون لقارئ نحو قوله: وحيث يشاء نون دار، فتأخذ للمسكوت عنهم الياء، لتصريحه بالنون. وقوله: وفتحهم وكسر إلخ الفتح والكسر ضدان، وكل واحد منهما يدل على صاحبه كقوله: إن الدين بالفتح رفلا، فتأخذ للمسكوت عنهم القراءة بكسر الهمز. ومثال الكسر كقوله: عسيتم- بكسر السين- حيث أتى انجلا، فتأخذ للمسكوت عنهم القراءة بفتح السين. وأما النصب والخفض فهما ضدان، وكل واحد منهما يدل على الآخر كقوله: وغير أولي بالنصب صاحبه كلا. ومثال التقييد بضده كقوله: والأرحام بالخفض جملا. وقوله: منزلا، بضم الميم أي: منزلا كل شيء من ذلك منزلته.
وحيث أقول الضّمّ والرّفع ساكتا ... فغيرهم بالفتح والنّصب أقبلا
أخبر أنه إذا ذكر الضم وسكت عن قراءة الباقين كانت بالفتح كقوله: وفي إذ يرون الياء بالضم كللا: فابن عامر يقرأ بالضم، والباقون يقرءون بالفتح، وإذا ذكر الرفع وسكت عن قراءة الباقين كانت بالنصب كقوله: وحتى يقول الرفع في اللام أولا، فنافع يقرأ بالرفع، والباقون يقرءون بالنصب، وإذا لم تكن قراءة الباقين في النوع الأول بالفتح، ولا في النوع الثاني بالنصب، فإنه لا يسكت عنها مثاله في الضم قوله: وجزءوا وجزء ضم الإسكان صف. فقد ذكر الضم لأبي بكر، وذكر معه الإسكان، فتأخذ لغيره الإسكان لأنه المذكور مع الضم. وكذلك قوله: ورضوان اضمم غير ثان العقود كسره صح، فتأخذ لأبي بكر الضم لنصه عليه، وتأخذ للباقين المذكور معه وهو الكسر. ومثاله في الرفع قوله: يضاعف ويخلد رفع جزم كذي صلا: فتأخذ لابن عامر وأبي بكر القراءة بالرفع وتأخذ للباقين ما ذكر مع
الرفع وهو الجزم وكذلك قوله:
وخضر برفع الخفض عم حلا علا
فالحاصل أن ضد الرفع إذا سكت النصب، وضد النصب الخفض وكذلك ضد الضم إذا سكت الفتح، وضد الفتح الكسر. فالفتح والكسر ضدان، وكل واحد منهما
1 / 19