سراج الملوك
سراج الملوك
ناشر
من أوائل المطبوعات العربية
پبلشر کا مقام
مصر
المستبصرين، والسخاء في ذوي الأخطار، وثلاث لا يشبع منهن: الحياة والعافية والمال.
وقال ابن لقمان لأبيه: يا أبت ما الداء العياء؟ قال: رعونة مولودة. قال: فما الجرح الدوي؟ قال: المرأة السوء! قال: فما الحمل الثقيل؟ قال: الغضب. ولما قرأ هذه الحكاية أبو عباد الكاتب، وكان ظريفًا في أحباره قال: لكن والله الغضب أخف علي من ريشة، وكان أسرع الناس غضبًا فقيل له: إنما عنى لقمان أن احتمال الغضب ثقيل. فقال: لا والله لا يقوى أحد احتمال الغضب إلا الجمل. وغضب يومًا على بعض أصحابه فرماه بدواة فشجه، فجعل الدم يسيل فقال أبو عباد: صدق الله ﷿ حيث قال: ﴿وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾ (الشورى: ٣٧) فبلغ ذلك المأمون فاستدعاه وقال له ويلك! ألا تحسن أن تقرأ آية من كتاب الله ﷿؟ فقال: بلى يا أمير المؤمنين، إني لأقرأ من كل سورة ألف آية فضحك المأمون وأمر بإخراجه. وقيل لأنوشروان: ما العقل؟ قال: القصد في كل الأمور. قيل: فالمروة؟ قال: ترك الربية. قيل: فما السخاء؟ قال: أتنصف من نفسك. قيل: فما الحمق؟ قال: الإغراق في الذم والحمد.
وقيل لبعض الحكماء: ما الحزم؟ قال: سوء الظن. فقال بعضهم في قوله الحزم سوء الظن قال: إنما أراد سوء الظن بنفسه لا بغيره. قيل: فما الصواب؟ قال: المشورة. قيل: فما الذي يجمع القلوب على المودة؟ قال: كف بذول وبشر جميل. قيل: فما الاحتياط؟ قال: الاقتصاد في الحب والبغض. وقال معاوية لزياد حين ولاه العراق: يا زياد ليكن حبك وبغضك قصدًا فإن الغيرة كامنة، واجعل للرجوع والنزوع بقية من قلبك، واحذر صولة الإنهماك فإنها تؤدي إلى المهالك. وهو مثل قول علي بأبي طالب ﵁: أحبب حبيبك هونًا ما، عسى أن يكون بغيضك يومًا ما. وابغض بغيضك هونًا ما، عسى أن يكون حبيبك يومًا ما. ومن ذلك قول الأول:
وأحبب حبيبك حبًا رويدًا
فليس يفوتك أن يصرما
وقال آخر:
ولا تيئسن الدهر من حب كاشح
ولا تأمنن الدهر صرم حبيب
وسئل بزر جمهر عن العقل فقال: ترك ما لا يعني. فسئل: فما الحزم؟ قال: انتهاز الفرصة. قيل: فما الحلم؟ قال: العفو عند المقدرة. قيل: فما الشدة؟ قال: ملك الغضب. قيل: فما الخرق؟ قال: حب مغرق وبغض مفرط. وقيل لبعض الملوك، وقد بلغ في المنزلة والقدرة ما لم يبلغه أحد من ملوك زمانه: ما الذي بلغ بك هذه المنزلة؟ قال: عفوي عند قدرتي وليني عند شدتي، وبذلي الإنصاف ولومي نفسي وإبقائي في الحب والبغض مكانًا لموضع الاستبدال. وقال الإسكندر لبعض الحكماء وقد أراد سفرًا أرشدني لأحزم أمري. قال: لا تملكن قلبك محبة الشيء ولا يستولين عليك بغضه، واجعلها قصدًا فإن القلب كاسمه يتقلب وله خاصية تنزع وترجع، واجعل وزيرك التثبت وسميرك التيقظ، ولا تقدم إلا بعد المشورة فإنها نعم الدليل، وإذا فعلت ذلك ملكت قلوب رعيتك ملك استعباد، قال الشاعر:
وما سمي الإنسان إلا لنسيه
ولا القلب إلا أنه يتقلب
وقيل لبعض الحكماء: ما الدليل الناصح؟ قال: غريزة العقل مع الطبع. قيل: فما القائد المشفق؟ قال: حسن المنطق. قيل: فما العياء المعي؟ قال: تطييعك من لا طبع له. وقال الفضل بن مروان: سألت رسول ملك الروم عن سيرة ملكهم فقال: بذل عرفه وجرد سيفه، فاجتمعت عليه القلوب رغبة ورهبة، لا يهضم جنده ولا يحرج رعيته سهل النوال حزن النكال، الرجاء والخوف
1 / 186