وقد روي أن الفيلسوف الطبيب ابن سينا رفض أن يلبي دعوة محمود الغزنوي للعمل في بلاطه؛ وفر إلى إقليم جرجان، فأمر محمود أبا نصر بن العراق المصور أن يرسم صورة ابن سينا على ورقة؛ ثم طلب من مصورين آخرين أن يرسموا أربعين نسخة منها؛ وأرسل الصور إلى حكام الأقاليم المجاورة راجيا أن يرسلوا إليه صاحبها؛ ولكننا لا نميل إلى تصديق هذه القصة. وأكبر ظننا أنها نسجت على منوال قصة تشبهها؛ ذكرتها المصادر الأدبية والتاريخية عن مهارة أهل الصين في التصوير، وأشرنا إليها في بداية هذا البحث.
30
فالذين يرجع إليهم الفضل في بدء الصور الشخصية في الإسلام هم السلاطين المغول، الذين حذوا حذو آبائهم وجروا على سنة عمل الصور الشخصية لأنفسهم على يد فنانين من أهل الصين أو ممن تأثروا بالأساليب الفنية الصينية، وزادت هذه الصور بعد ذلك في عصر تيمور وخلفائه.
وقد وصف جهانكير - الإمبراطور الهندي - في مذكراته صورة رسمها مصور اسمه خليل ميرزا، وكانت حينا من الزمن في مكتبة الشاه إسماعيل الصفوي (907-930ه/1502-1524م). وقال: إنها كانت تمثل إحدى معارك تيمورلنك، وكان فيها رسم هذا الفاتح بين أولاده وقواد جيشه، فبلغ عدد المرسومين فيها مائتين وأربعين شخصا.
31
أما الصور الشخصية في عصر الدولة الصفوية فكثيرة، وقد وصل إلينا منها صور بعض الملوك كالسلطان حسين بيقرا والشاه طهماسب والشاه عباس. والواقع أن تصوير الملوك والسلاطين والأمراء ورجال الدولة أصبح أمرا شائعا في إيران والهند وتركيا منذ القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي)،
32
وإن كان ذكر الصور في الأساطير الأدبية أقدم من هذا التاريخ بعدة قرون.
ومما يلفت النظر أن الفنانين المسلمين نسجوا في البداية على منوال زملائهم الصينيين في رسم الأشخاص بوجوههم من الأمام، وبحيث تظهر ثلاثة أرباع الوجه إن لم يظهر الوجه كله.
والواقع أنهم لم يقبلوا على رسم الصور الجانبية إلا منذ نهاية القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي)؛ وذلك بعد أن عرفوا الأساليب الفنية الأوروبية وتأثروا بها. على أن الصور الجانبية لم تنتشر في الصين نفسها إلا منذ القرن الخامس عشر الميلادي، وأصبحت بعد ذلك الطريقة المثلى في تصوير الوجوه في الهند الإسلامية.
نامعلوم صفحہ