Silsilat Al-Adab - Al-Munjid
سلسلة الآداب - المنجد
اصناف
حاجة الجيران إلى بعضهم بعضًا
الإنسان لا يزال محتاجًا إلى جاره؛ لأن هناك طوارئ كثيرة لا يعينه فيها إلا الجار، ولذلك رأى أبو بكر الصديق ﵁ ولده عبد الرحمن وهو يناصي جارًا له، فقال: [لا تناص جارك، فإن هذا يبقى والناس يذهبون] ناصى جاره أي: أخذ بناصيته، وصار بينهما أمر فيه شدة، وكذلك فإن رجلًا جاء إلى ابن مسعود ﵁، فقال: [إن لي جارًا يؤذيني ويشتمني ويضيق علي، قال: اذهب فإن هو عصى الله فيك، فأطع الله فيه].
وكذلك فإن الحسن البصري ﵀ من شدة حق الجار كان لا يرى بأسًا أن يطعم الإنسان جاره اليهودي أو النصراني من أضحيته.
وجاء الحسن بن عيسى النيسابوري إلى عبد الله بن المبارك، فقال: الجار المجاور يأتيني، فيشكو غلامي أنه أتى إليه أمرًا، والغلام ينكره، فأكره أن أضربه ولعله بريء.
أي: فإن ضربت غلامي قد يكون الغلام بريئًا، وإن سكت فقد يكون الجار صادقًا وغلامي مخطئًا مخطئ، فكيف أصنع؟ قال: إن غلامك لعله يحدث حدثًا يستوجب فيه الأدب فاحفظ عليه -الآن هذا يحتاج إلى مراقبة وأن تحسب عليه تصرفاته- فإذا شكاه جارك فأدبه على ذلك الحدث، فتكون قد أرضيت جارك وأدبته على ذلك الحدث.
أي يقول: هذا الغلام الذي عندك لا يخلو أن يخطئ، وليس ضروريًا في حق الجار، بل يخطئ أي خطأ آخر، يهمل فيكسر شيئًا مثلًا؛ فأنت الآن جارك يشتكي من الغلام والغلام ينكر، وأنت لا تعلم أهذا الغلام صادق أم الجار، فماذا تعمل؟ قال: عدَّ على هذا الغلام مواقفه، فإذا جاء أمر أخطأ فيه؛ فعاقبه بعلم جارك، فيظن الجار أنك عاقبته من أجله، والغلام يعلم أن العقوبة من أجل خطئه، فما ظلمت وأرضيت الجار، وهذا تلطف في الجمع بين الحقين.
4 / 16