سلات بین عرب اور فارس
الصلات بين العرب والفرس وآدابهما في الجاهلية والإسلام
اصناف
ومهما يكن، فلا أخال البيروني قد أخطأ حين سمى الدولة العباسية «دولة خراسانية شرقية ».
كان للدعوة العباسية وما عقبها من قيام الدولة نتائج كثيرة، وإنما يعنينا منها ما يتعلق بالفرس.
فقد أنعشت الآمال في نفوسهم ومكنت لهم في الدولة وخلطتهم بالعرب خلطا تاما، وكان من مظاهر هذا الانتصار في بلاد الفرس ظهور دعوات دينية جديدة وثورات: (به آفريد) انتهز الفرصة لوضع دين قريب من الزردشتية فأعجله أبو مسلم وقتله. وقد أعجب الفرس بأبي مسلم أيما إعجاب، فلما مات أنكر المسلمية موته وقالوا: إنه اختفى وسيجيء مهديا من بعد.
ومنهم من قال إنه نبي بعثه زردشت، وقد دعا إلى هذا داعية فارسي في بلاد الترك يعرف باسم إسحاق التركي. وقام صديق من أصدقاء أبي مسلم اسمه سنباذ يقول: إن أبا مسلم اختفى في صورة حمامة بيضاء، ثم يعلن أنه سيذهب لهدم الكعبة انتقاما لصديقه، وقد جمع حوله زهاء مائة ألف ولكن ثورته لم تلبث طويلا، وتلت ذلك ثورات يوسف البرم والمقنع الخراساني وعلي مزدك، وبابك الخزمي، وأكثرها مصحوب بذكرى أبي مسلم. ثم جاء القرامطة وفعلوا ما فعلوا وكان منهم ابن أبي زكريا الذي شرع لهم أن من أطفأ النار بيده قطعت يده، ومن أطفأها بفمه قطع لسانه وهذا من أثر الزردشتية. كل هذه مظاهر تحتاج إلى شرح واستقصاء ولها دلالتها على بقايا العصبية الدينية والجنسية في نفوس الفرس، هذا في بلاد الفرس. وأما أثرهم في سياسة الدولة وفي حاضرة الإسلام بغداد فقد كان للفرس الرجحان على العرب عند الخلفاء منذ قيام الدولة.
وقد بلغ الأمر غايته حين تنازع الأمين والمأمون، فكان المأمون في مرو من أقصى خراسان أشبه بخليفة فارسي، وقد أعانه الفرس على حرب أخيه الذي كان يعتز بالعرب.
وروي أن أول شعر فارسي نظم في مدح المأمون إذ ذاك، فلما غاب المأمون تمت الغلبة للفرس. ثم استمروا مسيطرين على الخلفاء حتى أديل منهم لأتراك المعتصم، حتى إذا قامت الدول الفارسية، ملك بنو بويه بغداد إلى أن كان طور السلطان التركي فأديل منهم للسلاجقة.
ساس الفرس الدولة على قواعد الساسانيين وقلد الخلفاء وغيرهم الفرس في ملابسهم ومساكنهم وطعامهم وشرابهم، أمر الخليفة المنصور أن تلبس القلنسوة الفارسية ، واتخذ هو ومن بعده الحلل المذهبة على الأساليب الفارسية، وقد أبقى الزمن من نقود الخليفة المتوكل ما يظهر هذا الخليفة في زي فارسي كامل. ومن الكلمات الجامعة في هذا ما قاله المتوكل حين أراد إصلاح السنة المالية ورد النيروز إلى مكانه من العام فأحضر الموبذ ليستعين به. قال الخليفة: «قد كثر الخوض في ذلك ولست أتعدى رسوم الفرس.» وسأله رأيه في الإصلاح.
وكان من آثار هذا الاختلاط والتنافس ظهور الشعوبية من فرس وغيرهم، وهم الذين قاموا يردون على العرب دعواهم في فضلهم على الأمم. ولم يقتصر الشعوبية أن يسووا أنفسهم بالعرب، بل تمادى الجدل بهم إلى تفضيل غير العرب عليهم، كان من الشعوبية غير الفرس، وكان من الفرس أنصار للعرب، ولكن النزاع كان في معظمه نزاعا بين العرب والفرس، وقد تناضل الفريقان عن كثب وأرسلوا الكلام إلى غاياته في غير تحرج، وهذا طبيعي في الأمم إذا خالط بعضها بعضا وتنافست على السؤدد؛ ولذلك يكثر التفاخر بين فريقي الأمة الواحدة لشدة الاختلاط والتنافس، ونزاع العدنانيين والقحطانيين وتنافسهم كان أقرب إلى القتال والبغضاء من تنافس الفرس والعرب. ولا يتسع المجال لبيان هذا.
فعلان الشعوبي الفارسي، وهو نساخ في بيت الحكمة أيام الرشيد والمأمون، كتب كتاب الميدان الذي «هتك العرب فيه وأظهر مثالبها» كما يقول ابن النديم، وسهل بن هارون صاحب خزانة الحكمة في عهد المأمون كان شديد العصبية على العرب، وقد كتب رسالة في البخل وكأنه أراد بها الزراية بالجود الذي كان عمدة مفاخر العرب، وسعيد بن حميد بن البختكان لم يتحرج وهو على مقربة من الخلفاء أن يكتب كتابا يسميه فضل العجم على العرب، وأشباه هؤلاء كثيرون. وقد استمر النزاع في الكتب عصورا طويلة وليس يسعنا أن نستقصيه الآن.
ولكن ينبغي أن يقال: إن صدور الناس وسعت هذا التنافس عن كثب فلم يضطهد أحد من أجله.
نامعلوم صفحہ