ليس للاحتلال مصلحة في إيجاد مجلس نيابي لهذه البلاد، ولكن صوت الأمة يعلو على صوته إذا تمسكت به ودعت إليه وطالبت وجاهدت بقوة الرأي والفكر والثبات التي هي أكبر القوى الفعالة في حياة الأمم، فلتفعل؛ فإنما هي تخطو بالوصول إليه أكبر خطوة في طريق الاستقلال.
وكانت الدعوة إلى الحكم النيابي - مع احتلال الانجليز لبلادنا - لا تنقص في قيمتها عن الدعوة إلى الاستقلال؛ ولذلك وجدت المقاومة من المستعمرين الإنجليز ومن المستبدين المصريين بقيادة الخديو.
وفي 1904 عقد ما يسمى «الاتفاق الودي» بين بريطانيا وفرنسا: الأولى تقنع بسرقة مصر، والثانية تقنع بسرقة مراكش، ولا تتدخل إحداهما في شأن ما تسرقه الأخرى من مصر أو مراكش. فكتبت اللواء مئات المقالات لتنبيه الشعب إلى أن ينهض لمكافحة هذا الاتفاق. وفي 18 أبريل كتبت اللواء هذه الكلمات التالية التي تعد مثالا لغيرها، فخاطبت الشعب قائلة:
انظر إلى الشعوب التي أصابها ما أصاب شعبك، تجد البولوني وقد مزق وطنه وعلت فيه كلمة دول ثلاث، يجد ويعمل مفكرا كل يوم بل كل لحظة «بولونيا» يذكر تاريخها ويبكي أيامها الخالية، ويربي ابنه على حبها والتمسك بحقوقها، والفنلندي وقد لبس هو وبقية أفراد أمته ثياب الحداد يوم قررت روسيا ضم جيش فنلندا لجيشها، وهو محو بقية استقلال هذه الأمة، والأيرلندي وقد عارض إنجلترا في ضغطها على بلاده وسلبها لحقوقه، واستمر يعارض ويجاهد حتى حملها على تجريد اللوردات عن أملاكهم بثمن بخس ورد الأراضي الأيرلندية إلى أصحابها الأصليين.
وانظر إلى غيرهم وغيرهم، لتعلم أن الأمم، كبيرة كانت أو صغيرة، حاكمة أو محكومة، لا تسمو فيها الأخلاق والصفات، ولا ينشأ بينها رجال الفكر العالي والعمل الكبير إلا بالشعور الوطني؛ فكل عامل على إطفاء نوره محارب لأمته وقومه وذويه، وكل داع إليه مجد في سبيل الحياة القومية الصحيحة والرقي الخالد.
وتنبه مصطفى كامل إلى سوء التعليم وفساد توجيهه للشباب، ففكر في إنشاء جامعة مستقلة عن الحكومة، وكتب في اللواء بتاريخ 26 أكتوبر من 1904 مقالا فيه:
مما لا يرتاب فيه إنسان أن الأمة المصرية أدركت في الزمان حقيقة المركز الذي يجب أن يكون لها بين الأمم، وأبلغ الأدلة على ذلك نهضتها في مسألة التعليم، وقيام عظمائها وكبرائها وأغنيائها بفتح المدارس وتأسيس دور للعلم بأموالهم ومجهوداتهم، ولكن قد آن لهم أن يفكروا في الوقت الحاضر في عمل جديد، الأمة في أشد الحاجة إليه، ألا وهو إنشاء جامعة للأمة بأموال الأمة.
وجاءت حادثة دنشواي 1906 فهبت صحيفة اللواء تناشد الشعب أن يتنبه لهذه المأساة، ولم يكتف عندئذ مصطفى كامل الصحفي المكافح الأول في مصر بجريدة اللواء، بل سافر إلى أوروبا وجعل يخطب وينبه الإنجليز والفرنسيين إلى فضائح الحكم البريطاني في مصر، وينشر عليهم التفاصيل المسهبة عن التوحش الذي عومل به سكان دنشواي.
وكان من أثر هذه الحملات الصحفية والخطابية لمصطفى كامل أن تنبه الشعب إلى وعي وطني قوي لم يجد الإنجليز إزاءه إلا أن يقيلوا كرومر المعتمد البريطاني في القاهرة، فأقيل في صورة استقالة.
إن حياة جريدة اللواء هي حياة الشرف والتضحية لخدمة الشعب المصري، بل هي أعظم مثال للصحيفة الهادفة المكافحة.
نامعلوم صفحہ