للأشخاص منطقهم الذي يحكمون به على الأشياء والناس، ولكن للحوادث منطقها الذي يتغلب على منطق الأشخاص، هذا هو ما يجب أن نذكره حين نتأمل صحافتنا في الخمسين أو الستين سنة الماضية، فإن الصحفي قد ينشئ صحيفة يومية أو أسبوعية، وينوي أحسن النيات، ويعتقد أنه سيجعلها الجريدة أو المجلة المثلى، ولكن لا يكاد ينتهي العام الأول من صدورها حتى يجد أن منطق البيع (أي القراء) ومنطق الإعلانات (أي المتاجر) يتغلبان على منطقة هو، ولن يستطيع الصمود إزاء الخسارة إذا رفض الخضوع لهذين المنطقين الآخرين.
ثم هناك الطبقة الجديدة من القراء التي لم تتعلم إلا في المدرس الابتدائية والإلزامية، كيف نغريها بالقراءة؟ إن وسيلة ذلك هي الخبر والصورة وليس المقال والأرقام، إني عندما أقارن بين اللواء (الذي عملت فيه محررا سنة 1910) والمؤيد والجريدة، وبين جرائدنا الآن، أحس الفارق العظيم في ارتقاء صحفنا الحاضرة على الرغم من كل ما توصف به من التجارية والمنفعية.
وأعظم ما خدمت به جرائدنا الحاضرة جمهور الشعب عنايتها بالخبر ثم ربطها الخبر بالمقال.
فالمقال خبري والخبر مقالي، وبهذا العمل بعثت بين القراء تنبها جديدا ووعيا للحوادث ما كان ليعرفه جمهورنا قبل نصف قرن، واستنار الشعب بذلك.
وظني أن هذا الاتجاه سيزداد قوة واندفاعا عندما نجد قبل عشر سنوات نحو نصف مليون قارئ للجرائد والمجلات في مصر؛ لأن أربعة أخماس من هؤلاء سيكون من خريجي المدارس الابتدائية الذين يحتاجون إلى الصورة المغرية والخبر والقصير والمقال الموجز المثير.
وعندي أن الصحفي العظيم يجب أن يعرف لغتين أجنبيتين، وأن يزور نحو عشرة أقطار كبرى ويمكث فيها السنوات للتعلم ولمراسلة الصحف، وأن يتعلم الآداب والعلم والسياسة كما يتعلم كتابة الخبر واستقصاء الخبر، وتحسن صحفنا كل الإحسان إذا بعثت بكتابها ومخبريها كل منهم نحو ستة شهور أو سنة كاملة في قطر أجنبي، بل لماذا لا تتبادل الصحف كتابها ومخبريها كما تتبادل الجامعات؟
اعتقادي أن الفكرة حسنة ولكننا لم نرتفع إليها بعد.
الفصل التاسع
الكفاح في صحيفة اللواء
أكاد أقول إن كل صحيفة ليس لها كفاح معين تفقد حقها في البقاء، ولست أنكر أن للخبر - محض الخبز بلا توجيه - قيمة تربوية كبيرة، ولكن شرور الدنيا كثيرة، والجريدة التي تقنع بالوقوف منها موقف المحايدة المتفرج، والتي تقنع بإيراد الأخبار فحسب، هذه الجريدة توحي إلى قرائها حيادا ذهنيا وفلسفيا يؤذيهم في حياتهم ويجعلها منفصلين من شئون الدنيا ومشكلاتها.
نامعلوم صفحہ