أما القلب البهيمي غير المنعكس - وهو ذاك الذي تحمله البهائم، فلا يحتمل فيه عقل، ولا يحتشد فيه خيال، وما هو إلا أن ينصب الحيوان به على محض المنفعة؛ لأنه عامل في الطبيعة، يعد من عمالها لا من شعرائها - فليس عنده جمال يقع في ظاهر الروح، وآخر يقع في باطنها، وثالث متوهم لا يقع ولا يمتنع أن يقع،
18
وليس يعرف من معنى القبح إلا أن تكون الأنثى قد طاش بها المرض، فما تستقل إعياء وضعفا، وبذلك سلمت إناث البهائم من شر كثير يملأ لغة الحياة النسائية بمعانيه، وتجمعه كلمتان: الجمال، والقبح!
والناحية الأخرى التي ينظر منها الطفل لأمه الدميمة الشوهاء، ناحية الصفات الإلهية، فإن الحب الصحيح الذي يمكن أن يسمى حبا، لا يكون فيما ترى من لون وشكل وتركيب وتناسق، وغيرها مما يظهر البشرية على أتمها، وأحسنها في الشخص المحبوب كما يظن الناس خطأ، بل هو في عكس ذلك، أي فيما يخفي البشرية بمحاسنها وعيوبها جميعا، ويظهر في أمكنتها خصائص الروح المحبوبة وحدها؛ فمن ثم يبدو لك شخص المحبوب على أي أشكاله وهيآته كأنه تمثال سماوي وضع لروحك خاصة، فهو مجبول من مادة واحدة، هي مادة الفتنة، ولو كان في أعين الناس كافة تمثال الأرض السفلي، يصور كل ما تشتت فيها من القبح!
فإذا لم تظهر لك خصائص روح المرأة ظهورا يستفيض على وجهها وجسمها، ويجعل كل شيء فيها ذا معنى منه، وكل معنى منه ذا معنى فيك، فما أنت من حبها في شيء ولو ذهبت من جمالها بعقول الناس، ولا هي عندك من الجمال في شيء، ولو كانت في النساء كليلة البدر في الليالي، ومن أجل ذلك لا يخلو الحب من بعض معاني الوحي، ولا تخلو الحبيبة من بعض المادة الملائكية
19
في النفس التي تعشقها، وهل ملك الوحي إلا قوة المزج السماوي في نفوس الأنبياء، وهل روح الحبيبة إلا على قدر من مثل هذه القوة في نفس محبها؟ ولعل هذا يفسر لك سرا من أسرار احتراق في بعض الأرواح العاشقة التي تيمها الحب؛ فإن تلك القوة المزجية متى أفرطت على نفس رقيقة حساسة أذابتها، واشتعلت فيها فأكلتها أكل النار للهشيم، وتركتها تحترق أسرع ما تحترق لتنطفئ أسرع ما تنطفئ! ••• (قال الشيخ علي): تلك هي الحقيقة يا بني، فلن يأتي لكائن من كان أن يقسم النساء إلى جميلات وقبيحات، إلا إذا طوى في ذلك معنى القسمة إلى شهوات جميلة، وشهوات قبيحة، ومتى انتهينا إلى هذا فقد خرجنا إلى المخاطبة بلغة لا هي من لغة البهائم، ولا هي من لغة الإنسانية.
أفرأيت قط ألفاظ الجمال والقبح تشيع في أمة من الأمم، وتعلو بالأعين عن النساء، وتنزل،
20
وتمتد بها وتنقبض، إلا أن تكون أمة ضعيفة القوة قد اختلت أجسامها، أو ضعيفة الدين قد اختلت أرواحها؟
نامعلوم صفحہ