تنزل لتختم على أعمال الأرض في يومها الغابر، ثم تأخذ في تهيئة الجمال السماوي البديع الذي سيخلق منه الفجر.
وكان إلى جانبي أديب سكير، نسميه «دمياط الحانة» ... لأن فرعا من نهر الخمر ينصب فيه كما ينصب فرع النيل عند (دمياط)! وقد عودته الكأس أن يتخذ الليل نهارا، والنهار ليلا، فما ينصرف إلى بيته إلا في فروع الصبح،
5
ولا ينام إلا والعالم كله متيقظ، ويزعم أنه لا يهتدي إلى عقله إلا إذا أضاعه ساعة أو ساعتين،
6
ولا يحسن تصفية الكلام، وترقيق المعاني إلا إذا نضج جوفه بماء الشعر!
7
وكان في تلك الساعة قد حط عليه الساقي حتى انتهى في سماواته الوهمية إلى الأفق الزجاجي، فعاد كلامه رنينا، وطنطنة لا يفهمه إلا صاحب الحانة وحده ... فلما دهته الداهية من كرب الخمر تخطى حد إنسانيته إلى البهيمية السائمة، وما كاد يرتفع الستار الإنساني عن مسرح أخلاقه، حتى رأيتني في رواية عجيبة يمثلها أربعة اجتمعت أرواحها في شخص واحد: سفيه، ومعتوه، وأحمق، وأديب ...
وجعلت أتأمل على يقين الخبرة، أشهد على حق النظر عجيبة هذا العقل الإنساني الذي يسبح في الأفلاك، ويتطوح من شاطئ المجهول إلى شاطئ المعلوم بوثبة أسرع من ضربة الجناح، ثم هو مع ذلك يغرق في زجاجة خمر، وصرت أرى كيف يتحول النبوغ العقلي في بعض ساعاته إلى صناعة خسيسة، هي صناعة الأديب نفسه الشريفة بهيمة من البهائم، وعلمت علم هؤلاء الأدباء الذين يحسبون الخمر توحي إليهم، وما في ملء الدن منها ما يعدل فائدة واحدة من قوة الإرادة.
لقد رأيت وعلمت وشهدت بعيني رأسي كيف يبوء هؤلاء بالمأثم والمغرم جميعا؛
نامعلوم صفحہ