الفصل الثاني عشر
فتح العراق
أجاب أبو بكر طلب المثنى بن حارثة الشيباني، فأمره على من معه من قومه ليقاتل أهل فارس، فلما بلغته أنباء نصره بدلتا النهرين رأى أن يمده ليتابع غزواته لذلك أمر خالد بن الوليد أن يجمع بقية جنده وأن يسير إليه، وأن تكون القيادة العليا لخالد بطبيعة الحال، ولقد أمر عياض بن غنم أن يسير إلى دومة الجندل يخضع أهلها المتمردين ثم يسير منها شرقا إلى الحيرة، فإن بلغها قبل خالد فالأمر فيها له، وخالد فيها من قواده، وإن سبقه خالد إليها فالأمر والقيادة لخالد وعياض من قواده.
وكان العرب في العراق يعملون فلاحين في أرضه، ثم ينالهم القليل من خيره أما وافر الخير فيذهب إلى الدهاقين الفرس الذين كانوا يسومون العرب الخسف والظلم، وقد أصدر أبو بكر أوامره إلى قواده بالعراق ألا ينالوا هؤلاء العرب الفلاحين بسوء؛ لا يقتلون منهم أحدا، ولا يأخذون منهم أسرى، ولا يسيئون إليهم في أمر يتصل بهم؛ فهم عرب مثلهم، وهم يشعرون بالظلم تحت نير فارس، فيجب أن يشعروا بزوال هذا الظلم حين مقدم العرب، ويجب أن يعمهم العدل على أيدي بني عمومتهم، ذلك واجب على المسلمين يأمرهم الله به، وهو بعد السياسة الحكيمة التي تكفل للمسلمين النصر، وألا يؤتوا بعد نصرهم من خلفهم.
وكان جنود خالد قد قل عددهم، إذ قتل منهم باليمامة ما سبق أن ذكرنا، وعاد منهم مسرحا إلى قومه من رغب في الرجوع إليهم، وما كان لخالد أن يستعدي هؤلاء وقد أمره أبو بكر أن يأذن لمن شاء بالرجوع، وألا يستفتح بمتكاره، وألا يكون معه في الغزو أحد ممن ارتد حتى يرى الخليفة رأيه فيه، وطلب خالد إلى أبي بكر المدد فأمده بالقعقاع بن عمرو التميمي، وعجب قوم وقالوا: أتمد رجلا قد ارفض عنه جنوده برجل؟! وأجابهم أبو بكر: لا يهزم جيش فيهم مثل هذا! وكذلك كان جوابه حين أمد عياضا بعبد بن عوف
1
الحميري، على أنه كتب إلى خالد حين بعث إليه القعقاع يقول: «استنفر من قاتل أهل الردة ومن ثبت على الإسلام بعد رسول الله
صلى الله عليه وسلم .»
2
ولم يلبث خالد حين عاد ينظم جيشه أن حشد ثمانية آلاف من ربيعة ومضر إلى ألفين كانا معه، ثم سار إلى العراق على رأس عشرة آلاف، قدم بهم على ثماني آلاف كانوا مع أمراء الجند المسلمين الذين سبقوه إليه، والمثنى في مقدمتهم.
نامعلوم صفحہ