134

صدیق ابو بکر

الصديق أبو بكر

اصناف

ودعا الصديق عثمان بن عفان بعد عبد الرحمن بن عوف، وقال له: يا أبا عبد الله، أخبرني عن عمر. قال عثمان: أنت أخبر به. فقال: على ذلك يا أبا عبد الله! قال عثمان: اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله. قال أبو بكر: يرحمك الله يا أبا عبد الله! والله لو تركته ما عدوتك! لا تذكرن مما قلت لك ولا مما دعوتك له شيئا.

ولم يكتف أبو بكر بمشاورة عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان، بل شاور كذلك سعيد بن زيد وأسيد بن حضير وغيرهما من المهاجرين والأنصار، وسمع بعض أصحاب النبي بمشاورات أبي بكر وأنه يريد استخلاف عمر، فأشفقوا من شدة ابن الخطاب وغلظته أن يفرق ذلك كلمة المسلمين، فاجتمع رأيهم على أن يهيبوا بأبي بكر ليرجع عن عزمه، واستأذنوا فدخلوا عليه، فقال طلحة بن عبيد الله: «ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا، وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه، فكيف به إذا خلا بهم بعد لقائك ربك؟!» هنالك غضب أبو بكر وصاح بقوة والمرض يهزه: أجلسوني! فلما أجلسوه وجه الحديث إلى القوم الذين دخلوا عليه فقال: «أبالله تخوفونني! خاب من تزود من أمركم بظلم! أقول: اللهم استخلفت على أهلك خير أهلك.» ثم اتجه إلى طلحة فقال له: «أبلغ عني ما قلت لك من وراءك.»

واضطجع أبو بكر وقد هده هذا الحوار، فانصرف عنه القوم لم يبق منهم إلا عبد الرحمن بن عوف، وقيل: بل خرج عبد الرحمن معهم ثم عاد إليه صبح اليوم التالي، وقال يحييه وقد جلس إلى جانب سريره: «أصبحت والحمد لله بارئا.» قال أبو بكر: «أتراه؟» قال: «نعم!» فسكت أبو بكر وسكت عبد الرحمن هنيهة ثم تحدث الصديق وكأنما عناه ما حدث بالأمس: «إني وليت أمركم خيركم في نفسي، فكلكم ورم أنفه من ذلك يريد أن يكون الأمر له دونه.» واستطرد في حديث أحس معه عبد الرحمن بما يغص نفس الخليفة من ألم لحديث القوم، فقال له: «خفض عليك رحمك الله! فإن هذا يهيضك، إنما الناس في أمرك بين رجلين؛ إما رجل رأى ما رأيت فهو معك، وإما رجل خالفك فهو مشير عليك، وصاحبك كما تحب، ولا نعلمك أردت إلا خيرا، ولم تزل صالحا مصلحا.»

واطمأن أبو بكر إلى استخلاف عمر، فدعا عثمان بن عفان، وكان يكتب له فقال له: اكتب، وأملاه: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجا منها وعند أول عهده بالآخرة داخلا فيها، حيث يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب، إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا، وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيرا، فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فيه، وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب من الإثم، والخير أردت، ولا أعلم الغيب، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، والسلام عليكم ورحمة الله.» ثم ختم الكتاب.

وتذهب بعض الروايات إلى أن أبا بكر أملى عثمان حتى إذا بلغ «إني استخلفت عليكم» أغمي عليه قبل أن يملي اسم عمر بن الخطاب، فكتب عثمان في غيبوبة أبي بكر «إني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ولم آلكم خيرا»، ثم أفاق أبو بكر فقال: اقرأ علي، فقرأ عليه فكبر أبو بكر وقال: «أراك خفت أن يختلف الناس إن افتلتت نفسي في غشيتي؟» قال عثمان: «نعم!» وأقر الصديق ما كتب، وقال له: «جزاك الله خيرا عن الإسلام وأهله.»

خشي أبو بكر مع ذلك كله أن يختلف الناس من بعده، فأشرف من حجرة بداره على الناس بالمسجد وامرأته أسماء بنت عميس ممسكته موشومة اليدين، وقال يخاطب من بالمسجد جميعا: «أترضون بمن أستخلف عليكم؟ فإني والله ما ألوت من جهد الرأي ولا وليت ذا قرابة، وإني قد استخلفت عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا.» قالوا: «سمعنا وأطعنا.»

وفي بعض الروايات أن عثمان خرج إلى الناس بعد أن أملى عليه أبو بكر وصيته وختمها، فأبرز لهم الكتاب مختوما وقال لهم: أتبايعون لمن في هذا الكتاب؟ قالوا: نعم. وبايعوا ابن الخطاب، فلما بايع الناس دعا أبو بكر عمر فأوصاه بما أوصاه به، على تعبير ابن سعد في الطبقات.

1

وإذ فرغ أبو بكر من استخلاف عمر واطمأنت نفسه على مصير المسلمين من بعده جعل يحاسب نفسه على ما قدم. روي عن عبد الرحمن بن عوف أنه كان يهون على أبي بكر علته وما يدور من أمر المسلمين، ويذكر له أنه لا يأسى على شيء من الدنيا، فقال أبو بكر: «أجل إني لا آسي على شيء من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن وددت أني تركتهن، وثلاث تركتهن وددت أني فعلتهن، وثلاث وددت أني سألت رسول الله

صلى الله عليه وسلم

نامعلوم صفحہ