تمييزا له من المعرفة التي سماها «وصفا»
description ، لكن ما فائدة هذه التفرقة إذا لم نكن ننوي التزامها؟
إن قلنا إن التصوف «اتصال»؛ فيستحيل أن يكون «معرفة»، وإن قلنا إنه «معرفة» فليس هو بالاتصال.
لكن المتصوف يعاني تجربة شخصية؛ فهو إذن - كما قلنا في فاتحة المقال - لا يعرف شيئا على الإطلاق.
التاريخ لا يعيد نفسه
أما أن يعيد التاريخ نفسه بمعنى «أن الحوادث نفسها بأشخاصها وزمانها ومكانها تعود مرة ثانية وثالثة؛ فهذا ظاهر البطلان. فمحال أن يعود الإسكندر أو نابليون أو تيمورلنك فيفتح فتوحه، ومحال أن يعود سقراط في أثينا ويعيد دروسه، ومحال أن يعود المتنبي إلى مصر، فيلقى كافورها، أو إلى حلب فيلقى سيف دولتها، أو نحو ذلك».
هكذا بدأ أستاذنا الجليل الدكتور أحمد أمين بك تحليله للجملة الشهيرة «التاريخ يعيد نفسه» في مقالة نشرت له بهذا العنوان في مجلة الثقافة. وقد انتهى من هذه الفاتحة التحليلية إلى نتيجة، وهي أن «الجملة على هذا المعنى سخافة ظاهرة».
لكن التاريخ - في رأي أستاذنا الجليل - يعيد نفسه بمعنى آخر يقبله ويعده صوابا ، وهو «أن كل حدث من أحداث الزمان نتيجة لمقدمات، فإذا تمت المقدمات ظهرت النتيجة لا محالة، وإذا تشابهت المقدمات تشابهت النتائج. وهذا الأمر يتكرر دائما على نمط مطرد؛ فكلما حدثت مقدمات من نوع خاص حدثت النتيجة بعينها».
ويستطرد الدكتور أحمد أمين بك في شرح هذا المعنى فيقول: «إن أحداث التاريخ - على هذا النظر - مثلها مثل كل القوانين الطبيعية، إذا حصلت أسبابها حصلت مسبباتها، فإذا وجد الحديد ووجدت الحرارة تمدد الحديد لا محالة، وأمكننا أن نقول إن تمدد الحديد يعيد نفسه، كما نقول التاريخ يعيد نفسه».
وخشي أستاذنا الفاضل أن يطوف برأس القارئ في هذا الموضع اعتراض على تشبيهه حوادث التاريخ بحوادث الحديد في تمدده المحتوم إذا سلطت عليه الحرارة، وأن يقيم القارئ اعتراضه على أساس أن حوادث التاريخ متصلة بالنفس التي تختلف عن قطعة الحديد في أنها حرة قد تعمل العمل في ظرف ولا تعمله في الظرف نفسه، وأنه إذا صحت هذه التفرقة بين النفس الإنسانية الحرة وبين قطعة الحديد المجبرة؛ فالتاريخ لا يعيد نفسه كما يفعل تمدد الحديد ... خشي أستاذنا الفاضل أن يطوف برأس القارئ في هذا الموضع اعتراض كهذا على موازنة التاريخ بالحديد المتمدد بالحرارة؛ فأسرع ها هنا إلى إثبات رأيه جليا واضحا، وهو أن النفس الإنسانية مجبرة في شكل مخيرة؛ فهي بحكم قوانين الوراثة والبيئة وما إليهما لا يمكنها أن تفعل غير ما فعلت. ولو جاز لنا أن نضع رأيه في عبارة أخرى؛ قلنا إنه لا يرى فرقا بين النفس الإنسانية وقطعة الحديد.
نامعلوم صفحہ