شہداء التعصب
شهداء التعصب: رواية تاريخية وقعت أكثر حوادثها في فرنسا على عهد فرنسوا الثاني ملك فرنسا المتوفى سنة ١٥٦٠م
اصناف
وفي الحال أخذ الرجال بتلابيبه، وأوثقوا يديه وعزموا على اقتياده إلى القصر، وإنفاذ العدل في القصر أسرع وأعجل من إنفاذه في سجن المدينة، وكانت مادلين تتأمل ما يجري مرتاعة، والدمع يهطل على وجنتيها. فلما أمر ماتيو باقتياد أبيها ترامت على قدمي ذلك الجلاد الشقي، وقالت: كلا يا سيدي، حاشا لله وللمروءة أن تفعل. أناشدك الله لا تحرم ابنة من أبيها، وأتوسل إليك أن تتركه لي فليس لي أحد سواه، وهو قومي وأسرتي.
فقال: ردوا هذه الحسناء!
قالت: إذن أتأذن لي بأن أرافقه وأشاطره الأسر، فإذا مات أموت معه؟
قال: بل البثي في بيتك، فليس لدي أمر بالقبض على غير أبيك، فلا أسوق أحدا سواه.
ودفع الفتاة عنه بعنف، فسقطت على قدمي أبيها مغمى عليها. فانحنى لوم وقبل ابنته، ثم اتجه إلى الباب، وقال بصوت هادئ: إني مستعد فلنذهب.
وانتشر خبر القبض على يعقوب لوم، فكان وقعه على جماعات البروتستانت وقع الصاعقة. أما الكاثوليكيون ففرحوا وطربوا، وأخذوا يتكلمون عن ثروة الرجل، ويقولون: إن مصدرها نشر الكتب المهيجة، ورأوا إعدام الرجل عدلا وإنصافا، واستطالت الألسنة على مادلين فذكروا قصة الرجل الذي وجد صريعا تحت نافذتها، وفيما كانت الفتاة المسكينة تصلي عند المساء في حجرتها أسمعوها الكلام القارص والإهانات الجارحة، فلم تنم ليلتها، ولما كان الصباح قصدت القصر، وهي ترجو أن يؤذن لها بمقابلة أبيها وتوديعه، فمنعها الحراس. فقالت لهم: إنه أبي يا قوم! إن السجين أبي، وأريد أن أراه فأي خطر يخشى مني، وأنا امرأة ولا سلاح معي؟ فلماذا تطردونني؟
فأجابوها: اذهبي فالقي الملازم ماتيو فهو الذي يتولى شنق أبيك غدا.
وفي اليوم التالي اجتمع جمهور غفير في ساحة أورليان، وظلت مادلين ليلتها تسمع وقع المطارق على الخشب. فلما كان الصباح رجعت إلى القصر عازمة على انتظار والدها، وللحال انفتح الباب الكبير، ومر أمامها موكب من الحراس والجند والجلاد ماتيو يمشي وراءهم، ويجيل بصره الوحشي في الجمهور، وقد ألبسوا يعقوب لوم ثوبا أسود، وأحدق به أعوان الجلاد.
فتخطت مادلين الصفوف، وارتمت على صدر أبيها، فأراد ماتيو التفريق بينهما غير أن بقية رحمة منعته من ذلك، فرافقت الفتاة أباها حتى المشنقة، وهي تنظر إلى وجهه، وكانت تمشي على مهل شاعرة بأن كل خطوة تدنيها من الساعة الهائلة، ساعة تغدو ابنة يتيمة. أما يعقوب فلم يتكلم، بل تهيأ لأن يموت موت الشجعان دفاعا عن مذهبه. ففكر في الشهداء الماضيين، وفي سيره على خطتهم واقتدائه بهم.
ولما آن وقت افتراق مادلين عن أبيها تولاها الضعف والجزع، فقال لها: لا تجزعي يا بنية فموعدنا السماء.
نامعلوم صفحہ