شہداء التعصب
شهداء التعصب: رواية تاريخية وقعت أكثر حوادثها في فرنسا على عهد فرنسوا الثاني ملك فرنسا المتوفى سنة ١٥٦٠م
اصناف
ولم يكن من سبيل إلى الوصول إلى جاليو؛ لأن الزكائب اشتعلت وانتشر الدخان حتى امتلأ به السلم. فتسلق جاليو إلى السطح وشاهد من هناك ما جرى. فأبصر رجال الدوق يطاردون البروتستانتيين وهم يفرون منهم في كل مكان، وقد تبعثرت جثثهم الدامية على الكلأ الأخضر، وطلع السيدات والأشراف الذين كانوا يتعشون في قصر الأميرة دي بوربون والدوق دي جيز إلى الشرفات، فكانوا يشاهدون تلك المجزرة، ويرشدون الجنود إلى مكامن البروتستانتيين ليفتكوا بهم!
وكان السطح الذي صعد إليه جاليو في ناحية أخرى فتدلى منه إلى بستان خال، في طرفه غيضة، فاجتازها حتى وصل إلى فناء متسع. فارتفعت إذ ذاك صيحات مفزعة فوقه، فرفع رأسه وأدرك أنه رمى نفسه في فم الأسد؛ لأن ذلك الفناء كان فناء قصر والدة الدوق دي جيز. فدمدم وشتم، وصاح الرجال من شرفاتهم ينادون الجند ويرشدونهم إليه ويقولون: تعالوا إلى هنا، يوجد هنا واحد من البروتستانتيين!
وكان هناك سلم يفضي منه إلى الشرفة التي صدرت منها الصرخات، وصعد جاليو في السلم غير متردد فوصل إلى الشرفة، وهناك سمع قائلا يقول: إنه على السلم، فأطلقوا النار عليه!
فتسلق الجنود السلم لاحقين بجاليو، ولما وصل إلى الشرفة أحس باضطراب شديد؛ لأنه رأى جماعات من الأشراف والسيدات والقسيسين هناك، وقد هاجهم التعصب وأسكرهم منظر الدم، ووقع بصره على امرأة بينهم كانت مطرقة والدمع يترقرق في عينيها، ولم يدر في خلد أحد أن الرجل الذي يدلون الجند عليه ليقتلوه قد صار بينهم؛ لأنهم لم يروه حينما دخل الشرفة، فقد كانوا كلهم مطلين على الفناء. فمشى إلى المرأة الباكية وناداها، مرسلين! قالت: أسأل الله أن يقدر لك النجاة مما أنت فيه.
فانثنى الحضور، وكان المحامي أفنيل في جملتهم وهو الذي فضح جاليو؛ لأنه رآه نازلا عن السطح إلى الفناء، فأرشد إليه الجنود الكاثوليكيين. فنظر إليه جاليو في بدء الأمر نظرة صعقته وسمرته في موقفه، إلا أنه تماسك لساعته، وقد شعر بمساعدة حملة البنادق فشتم جاليو، ثم اجتذب مرسلين بعنف، إلا أن هذه تراجعت مرتاعة، فلطمها زوجها وهو يحتدم غيظا منها. وانتصرت السيدات إذ ذاك لمرسلين، فشهر جاليو سيفه وتقدم إلى المحامي، وقال له: لماذا أهنت هذه السيدة؟
فقال له: ويك! كيف تتجرأ على هذا السؤال يا ابن اللئام؟ هل ظننت أنني نسيت ليلة فونتنبلو؟ أيها الجنود أطلقوا النار على هذا الخائن الذي اجترأ على زوجتي!
فصرخت مرسلين: بل أنا أهواه يا ناس، وأتمنى أن أموت معه، بل أنا أحمر خجلا من أن أكون زوجة نذل جبان مثل هذا الوحش، ويل لك! أما كان الأجدر بك أن تبارز الرجل بدلا من أن تأمر الجند باغتياله مع أنه كاثوليكي وأنت بروتستانتي.
واعتراها ارتجاف وارتعاش فأغمي عليها، فتقهقر أفنيل ممتقع اللون مذعورا، وإذا بأحد الجنود قد دنا من جاليو، فقال له: أكاثوليكي أنت أم بروتستانتي؟
فأجابه: لست أدري يا أخي. غير أن معي أربع غدارات محشوة، فلكل منكم أنتم الأربعة واحدة منها، وفضلا عنها فهذا سيفي وذاك خنجري، فأنا الأقوى. دعوني أمر وإلا فويل لك ولرفاقك!
ولعل الجنود رأوا في كلامه نصحا صادقا فابتعدوا عنه، والتفت إلى المحامي وقال: أنت جبان، وكان يحق لي قتلك، ولكنك لا تقوى على حمل سلاح، ولست أريد اغتيالك. فأنا ذاهب، وويل لمن يتجرأ على اللحاق بي.
نامعلوم صفحہ