وأيضا من تناقضهم أنهم يعظمون عائشة في هذا المقام طعنا في طلحة والزبير، ولا يعلمون أن هذا إن كان متوجها، فالطعن في علي بذلك أوجه، فإن طلحة والزبير كانا معظمين عائشة، موافقين لها، مؤتمرين بأمرها، وهما وهي من أبعد الناس عن الفواحش والمعاونة عليها. فإن جاز لرافضي أن يقدح فيهما يقول: "بأي وجه تلقون رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ مع أن الواحد منا لو تحدث مع امرأة غيره حتى أخرجها من منزلها وسافر بها"، مع أن ذلك إنما جعلها بمنزلة الملكة التي يأتمر بأمرها ويطيعها، ولم يكن إخراجها لمظان الفاحشة، كان لناصبي أن يقول: بأي وجه يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قاتل امرأته وسلط عليها أعوانه حتى عقروا بها بعيرها، وسقطت من هودجها، وأعداؤها حولها يطوفون بها كالمسبية التي أحاط بها من يقصد سباءها؟ ومعلوم أن هذا في مظنة الإهانة لأهل الرجل وهتكها وسبائها وتسليط الأجانب على قهرها وإذلالها وسبيها وامتهانها، أعظم من إخراجها بمنزلة الملكة العظيمة المبجلة التي لا يأتي إليها أحد إلا بإذنها، ولا يهتك أحد سترها، ولا ينظر في خدرها.
ولم يكن طلحة والزبير ولا غيرهما من الأجانب يحملونها، بل كان في العسكر من محارمها، مثل عبد الله بن الزبير ابن أختها، وخلوة ابن الزبير بها ومس لها جائز بالكتاب والسنة والإجماع - وكذلك سفر المرأة مع ذي محرمها جائز بالكتاب والسنة والإجماع. وهي لم تسافر إلا مع ذي محرم منها. وأما العسكر الذين قاتلوها، فلولا أنه كان في العسكر محمد بن أبي بكر مد يده إليها لمد يده إليها الأجانب، ولهذا دعت عائشة رضي الله عنها على من مد يده إليها وقالت: يد من هذه؟ أحرقها الله بالنار. فقال: أي أخية في الدنيا قبل الآخرة. فقالت: في الدنيا قبل الآخرة. فأحرق بالنار بمصر.
صفحہ 52