وهكذا عامة السابقين ندموا على ما دخلوا فيه من القتال، فندم طلحة والزبير وعلي رضي الله عنهم أجمعين، ولم يكن يوم الجمل لهؤلاء قصد في الاقتتال، ولكن وقع الاقتتال بغير اختيارهم، فإنه لما تراسل علي وطلحة والزبير، وقصدوا الاتفاق على المصلحة، وأنهم إذا تمكنوا طلبوا قتلة عثمان أهل الفتنة، وكان علي غي راض بقتل عثمان ولا معينا عليه، كما كان يحلف فيقول: والله ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله، وهو الصادق البار في يمينه، فخشي القتلة، فحملوا على عسكر طلحة والزبير، فظن طلحة والزبير أن عليا حمل عليهم، فحملوا دفعا عن أنفسهم، فظن علي أنهم حملوا عليه، فحمل دفعا عن نفسه، فوقعت الفتنة بغير اختيارهم، وعائشة رضي الله عنها راكبة: لا قاتلت، ولا أمرت بالقتال. هكذا ذكره غير واحد من أهل المعرفة بالأخبار(1) .
وأما قوله: "وخالفت أمر الله في قوله تعالى: { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } [الأحزاب: 33] فهي رضي الله عنها لم تتبرج تبرج الجاهلية الأولى. والأمر بالاستقراء في البيوت لا ينافي الخروج لمصلحة مأمور بها، كما لو خرجت للحج والعمرة، أو خرجت مع زوجها في سفرة، فإن هذه الآية قد نزلت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سافر بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، كما سافر في حجة الوداع بعائشة رضي الله عنها وغيرها، وأرسلها مع عبد الرحمن أخيها فأردفها خلفه، وأعمرها من التنعيم. وحجة الوداع كانت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأقل من ثلاثة أشهر بعد نزول هذه الآية، ولهذا كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يحججن كما كن يحججن معه في خلافة عمر رضي الله عنه وغيره، وكان عمر يوكل بقطارهن عثمان أو عبد الرحمن بن عوف، وإذا كان سفرهن لمصلحة جائزا فعائشة اعتقدت أن ذلك السفر مصلحة للمسلمين فتأولت في ذلك.
وهذا كما أ، قول الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } [النساء: 29]، وقوله: { ولا تقتلوا أنفسكم } [النساء: 29] يتضمن نهي المؤمنين عن قتل بعضهم بعضا، كما في قوله: { ولا تلمزوا أنفسكم } [الحجرات: 11]، وقوله: { لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا } [النور: 12].
صفحہ 25