Shirk in the Past and Present
الشرك في القديم والحديث
ناشر
مكتبة الرشد للنشر والتوزيع
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٢١ هـ - ٢٠٠٠ م
پبلشر کا مقام
الرياض - المملكة العربية السعودية
اصناف
الشرك في القديم والحديث
تأليف
أبو بكر محمد زكريا
الجزء الأول
مكتبة الرشد الرياض
1 / 1
جميع الحقوق محفوظة
الطبعة الأولى
١٤٣١ هـ - ٢٠٠٠ م
مكتبة الرشد للنشر والتوزيع
1 / 3
أصل هذا الكتاب
رسالة علمية نال بها الباحث درجة "الماجستير" بتقدير ممتاز من شعبة العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بتاريخ ١١/ ١١/ ١٤١٨ هـ
تحت إشراف فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور أحمد بن عطية الغامدي
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وبعد:
1 / 5
فإن أفضل العلوم نفعًا، وأعلاها مرتبة ومنزلة هو العلم بما يجب على العبد لربه، وإلهه ﷿، من توحيد الله في ربوبيته، وأسمائه وصفاته، وألوهيته، ومن أجل ذلك خلق الله الخلق، وبعث الرسل، وأنزل الكتب، فعلم التوحيد أشرف العلوم وأفضلها على الإطلاق، وهو حق الله على عباده أجمعين، ولهذا خلق عباده مفطورين على الإقرار به.
ولكن الشياطين تجتالهم عن الصراط السوي، وذلك يرميهم فيما يضاده ويناقضه، فكان واجبًا أن يعرف ما يضاد هذا التوحيد ويناقضه لأن الأشياء تتبين بأضدادها، ألا وهو الشرك بالله، ولهذا نرى الله ﷿ غالبًا يذكر التوحيد ويذكر معه ما يقابله، واشترط لصحة التوحيد اجتناب الشرك، كما أن الله ﵎ اشترط بقبول الأعمال ولدخول الجنة ولغفران الذنوب: اجتناب الشرك، واشترط لمن يرجو لقاءه أن لا يشرك به شيئًا.
فمن اجتنب الشرك في أعماله وأقواله وعصم نفسه عن أدرانه فقد هدي إلى صراط مستقيم، ويرجى له غفران الذنوب من الله الكريم. (ونسبة الشرك من التوحيد نسبة الليل من النهار والعمى من الإبصار، يعرض للأمم الموحدة كما يعرض الظلام للضياء، ويطرأ عليها كما تطرأ الأسقام على الأجسام، غير أن الظلام باعث لنور الأبصار لإفادة الراحة للأشباح، أما الشرك فعلة لنوم البصائر الموجب لشقاء الأرواح، وإذا كان حفظ الصحة بالغذاء والدواء فإن حفظ التوحيد بالعلم والدعوة، ولا يحفظ التوحيدَ علمٌ كعلم الكتاب والسنة، ولا تجلي الشرك دعوة كالدعوة بأسلوبهما).
1 / 6
وإذا كان تشخيص دواء الجسد يتم بمعرفة دائه، فإن حفظ التوحيد كامن في معرفة الشرك وأنواعه.
ولهذا نرى أن الله ﷾ لما خلق الناس فطرهم على توحيده، وكلما حادوا عن هذا الطريق بعث من يهديهم ويرشدهم بلطف إلى صراطه القويم، وأنزل معهم ما لو اتبعوه لم يقعوا في الضلال الذي يؤدي إلى الجحيم.
فالدفاع عن التوحيد برد أنواع الشرك هذا مسلك الأنبياء والرسل الكرام أجمعين، ولهذا اخترت موضوع رسالتي بعنوان: (الشرك في القديم والحديث)؛ سائلًا المولى القدير أن يكون لي معينًا في كل صغير وكبير.
أسباب اختيار الموضوع:
تتجلى أسباب اختيار الموضوع من خلال أهمية الموضوع، وقد سبق استعراضها، وهناك أسباب أُخر، من أهمها ما يلي:
أولًا: أحببت أن أبيِّن حقيقة الشرك الذي وقعت فيه الأمم السابقة من خلال ما بينه الله عنهم في كتابه والرسول ﷺ في سنته، وما عرف عنهم من خلال دعوة الرسل.
ثانيًا: رأيت أن أذكر الصور الشركية التي كانت عليها العرب قبل الإسلام وأسباب ذلك، وكيف كانت مقاومة النبي ﷺ لها.
ثالثًا: كما أردت أن أقارن بين ما كان عليه الأمم السابقة من أنواع الشرك وما وقعت فيه هذه الأمة، حتى يتضح الحق من خلال البحث، ويكون رادعًا لأولئك القبوريين الذين انتشروا في الديار شرقًا وغربًا.
رابعًا: أحببت إيراد الصور الجديدة للشرك الموجود في العصر الحاضر،
1 / 7
ولا ينتبه الناس إليها؛ إما لجهلهم وإما لما عندهم من الشبه أو الحجب الكثيفة أمام أعينهم.
خامسًا: أحببت أن يكون هذا البحث بمثابة الرد على المتكلمين من الفلاسفة وأفراخهم من الأشعرية والماتريدية الذين حصروا سعيهم في إثبات توحيد الربوبية تحصيلًا للحاصل، وأردت إظهار الحق أمامهم بأن الأنبياء والرسل إنما بعثوا لأجل توحيد الألوهية، وأن الأمم السابقة في حقيقة الأمر وقعوا غالبًا في الشرك الذي هو ضد توحيد الألوهية لا في ضد توحيد الربوبية.
ولما كان الموضوع يحتوي على جزئيات كثيرة، أحببت أن تكون خطة رسالتي هذه كالتالي:
عنوان الموضوع: الشرك في القديم والحديث.
الخطة:
وهي مكونة من مقدمة، وتمهيد، وستة أبواب، وخاتمة.
أما المقدمة ففيها بيان أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، والخطة والأسلوب الذي اتبعته في كتابة الرسالة، والشكر والتقدير.
أما التمهيد ففيه مسائل ثلاثة:
الأولى: معنى التوحيد وأنواعه.
الثانية: معنى الشرك وأنواعه.
الثالثة: هل الأصل في بني آدم التوحيد أم الشرك؟
أما الباب الأول: ففي شرك الأمم السابقة، وتحته فصول:
الفصل الأول: في بيان أول شرك وقع في بني آدم والأدلة عليه.
الفصل الثاني: في بيان وقوع الشرك في الأمم السابقة، وتحته مباحث:
1 / 8
المبحث الأول: في بيان الشرك في قوم نوح ﵇.
المبحث الثاني: في بيان الشرك في قوم هود ﵇.
المبحث الثالث: في بيان الشرك في قوم صالح ﵇.
المبحث الرابع: في بيان الشرك في قوم إبراهيم ﵇.
المبحث الخامس: في بيان الشرك في قوم لوط ﵇.
المبحث السادس: في بيان الشرك في قوم يوسف ﵇.
المبحث السابع: في بيان الشرك في قوم شعيب ﵇.
المبحث الثامن: في بيان الشرك في أمم أهلكوا بعامة قبل موسى ﵇.
المبحث التاسع: في بيان الشرك في قوم موسى ﵇.
المبحث العاشر: في بيان الشرك في قوم إلياس ﵇.
المبحث الحادي عشر: في بيان الشرك في قوم عيسى ﵇.
الفصل الثالث: في بيان أنواع الشرك التي وقعوا فيها. وفيه مبحثان:
المبحث الأول: هل أشركوا في الربوبية؟
المبحث الثاني: شرك العبادة في الأمم السابقة.
أما الباب الثاني: ففي بيان الشرك في العرب في الجاهلية وأسباب ذلك. وتحته فصلان:
الفصل الأول: أن العرب كانوا على دين إبراهيم ﵇ قبل الوثنية.
الفصل الثاني: متى كان ظهور الشرك فيهم وبيان سببه. وتحته مبحثان:
المبحث الأول: في بيان شرك العرب في الجاهلية. وتحته مطالب:
المطلب الأول: في بيان أول من روج الشرك في العرب. وبيان
1 / 9
أحواله.
المطلب الثاني: الشرك في العرب. وتحته فروع:
الفرع الأول: المشركون من العرب في الربوبية.
الفرع الثاني: المشركون من العرب في الألوهية.
المطلب الثالث: أنواع العبادات التي كانوا يوجهونها إلى معبوداتهم.
المطلب الرابع: طبيعة اعتقاد الجاهليين تجاه معبوداتهم.
المبحث الثاني: أسباب الشرك قديمًا.
الباب الثالث: الشرك في هذه الأمة. وفيه فصول:
الفصل الأول: خوف الرسول ﷺ من وقوع الشرك في هذه الأمة والتحذير منه. وتحته مباحث.
الفصل الثاني: في بيان سده ﷺ جميع الطرق المؤدية إلى الشرك. وتحته مباحث.
الفصل الثالث: في بيان إخفاء الشرك على كثير من الناس حتى وقعوا فيه. وتحته مباحث.
الباب الرابع: مظاهر الشرك في العصر الحديث. وتحته فصول:
الفصل الأول: مظاهر الشرك بالله في الربوبية في هذه الأمة. وتحته مبحثان:
المبحث الأول: مظاهر الشرك بالله في الربوبية بالتعطيل. وتحته مطالب.
المبحث الثاني: مظاهر الشرك بالله في الربوبية بالأنداد. وتحته مطالب.
الفصل الثاني: مظاهر الشرك بالله في الألوهية والعبادة. وتحته مباحث.
1 / 10
المبحث الأول: مظاهر الشرك بالله في الألوهية بالأعمال القلبية الخالصة.
المبحث الثاني: مظاهر الشرك بالله في الألوهية بالأعمال القلبية التي تؤدى بالجوارح.
المبحث الثالث: مظاهر الشرك بالله في الألوهية بالأقوال القلبية.
المبحث الرابع: بيان أهم شبهات القبوريين وردها.
الفصل الثالث: وجوب الإخلاص والحذر من الشرك.
الباب الخامس: المقارنة بين شرك القديم والحديث. وفيه فصلان:
الفصل الأول: المقارنة من حيث أنواع الشرك.
الفصل الثاني: المقارنة من حيث توافق أسباب الشرك في القديم والحديث.
الباب السادس: في بيان بطلان الشرك بأوضح الأدلة. وفيه فصول:
الفصل الأول: تنوع دلالات القرآن على قبح الشرك وبطلانه. وتحته مباحث.
الفصل الثاني: تنوع دلالات السنة على قبح الشرك وبطلانه.
الفصل الثالث: تنوع دلالات الفطرة والعقل على قبح الشرك. وتحته مباحث.
الخاتمة: وفيها بيان أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال هذا البحث.
هذا، وقد سلكت في كتابة هذه الرسالة المسلك التالي:
١ - عزوت الآيات القرآنية الواردة في صلب الرسالة إلى سورها بذكر رقم
1 / 11
الآية واسم السورة، ولم أفرق في ذلك بين الآية الكاملة والجزء من الآية.
٢ - خرّجت الأحاديث والآثار من مصادرها، فإن كان الحديث من أحد الصحيحين أو فيهما، أخرجه منه أو منهما، وإن لم يكن في الصحيحين أو أحدهما خرجته من كتب السنة المعتمدة الأخرى التي ورد فيها ما استطعت إلى ذلك سبيلًا، ثم أتبعت ذلك بما ظفرت به من أقوال العلماء المتخصصين في هذا الشأن للحكم على الحديث، وإن لم أجد تجشمت إلى دراسة السند والحكم على السند ما أمكن حسب اجتهادي.
٣ - رجعت في جمع المادة العلمية إلى المصادر الأصلية ما أمكن ذلك، وعند عزو الأقوال إلى أصحابها فإني أوثق نسبة القول من صاحب هذا القول ما أمكن ذلك، فإن لم يكن فإني أوثق النسبة من أوثق كتب أصحاب الأقوال المعتمدة الذين قد عرفوا بالثقة والأمانة والتثبت في النقل.
٤ - ذكرت اسم المؤلف أولًا، ثم اسم الكتاب في جميع الرسالة من غير اقتصار.
٥ - إذا نقلت من كتاب بالنص أحلت إلى الكتاب في الحاشية بذكر اسم المؤلف أولًا ثم اسم الكتاب.
٦ - إذا نقلت من كتاب بالمعنى أو بتصرف يسير أو جمعت كلامًا وألّفت بينه من أكثر من كتاب، فإني أحيل إلى هذا الكتاب أو هذه الكتب: بقولي: انظر ما قال، أو انظر ما ذكر فلان، أو مثل هذه العبارة التي تؤدي الغرض.
٧ - ربطت المعلومات السابقة باللاحقة والعكس بواسطة الإحالات في الهامش.
٨ - إذا ذكرت مسألة عقدية فإني حاولت أن أذكر القول الصحيح فيها،
1 / 12
وأستدل له مع مناقشة الأقوال الأخرى حسب ما يقتضيه المقام.
٩ - ترجمت لجميع الأعلام الواردة في الرسالة ما عدا المستشرقين وبعض الجاهليين الذين لم أعثر لهم على ترجمة. كما أني لم أترجم للخلفاء الأربعة مكتفيًا بشهرتهم لدى الجميع.
١٠ - عرفت المصطلحات والألفاظ الغريبة الواردة في الرسالة التي رأيت أنها بحاجة إلى التعريف عند أول ذكر لها، وقد أوخر التعريف إذا رأيت المصلحة داعية إلى ذلك، كأن كان المكان المتأخر أليق بالتعريف، وذلك كما لو كان المصطلح ذكر في الموضع الأول تبعًا وفي الموضع الثاني أصلًا.
١١ - وضعت فهارس علمية في نهاية البحث لتسهيل الاستفادة منه. وهي كالتالي:
* فهرس الآيات القرآنية.
* فهرس الأحاديث النبوية.
* فهرس الآثار.
* فهرس الأعلام المترجم لهم.
* فهرس الفرق.
* فهرس الألفاظ الغريبة.
* فهرس الأبيات الشعرية.
* فهرس المصطلحات.
* فهرس المصادر والمراجع.
* فهرس المحتويات.
1 / 13
الشكر والتقدير:
عملًا بقوله تعالى: (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) أشكر الله ﵎ على آلائه العظيمة، ونعمه التي لا تعد ولا تحصى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) وفي مقدمتها نعمة الإيمان والإسلام وشرف الانتساب إلى طلب العلم الشرعي على منهج أهل الحديث أهل السنة والجماعة، لا سيما في مدينة الرسول ﷺ، وفي هذه الجامعة المباركة، فلله الحمد من قبل ومن بعد.
ثم إنني عملًا بقول النبي ﷺ: «من لا يشكر الناس لا يشكر الله» أتقدم بخالص الشكر والتقدير لوالدي - حفظه الله - الذي ربّاني في حجره ودرست على يديه الكتب الستة المشهورة، وأوصاني بأخذ الحق أينما وجد.
كما أتقدم بخالص الشكر والتقدير لجميع أساتذتي ومشايخي الذين أسهموا في غرس محبة العلم وأهله في نفسي، وشاركوا في توجيهي إلى منهج السلف الصالح في الاعتقاد والعمل، والذي كان له الأثر الواضح في تحقيق هذا الجهد، وإخراجه في شكل رسالة علمية سلفية - إن شاء الله - فجزاهم الله خيرًا، وأدام النفع بعلمهم.
وأخص بالذكر منهم فضيلة الشيخ / عبد الله محمد الغنيمان حفظه الله،
1 / 14
الذي تعرفت عليه في هذه الجامعة في أول الأمر، ووفقني الله لملازمته في حلقاته ودروسه، والذي أشار إليّ بهذا الموضوع، وخطط لي الخطة بيده. فجزاه الله كل خير، وسدد له خطاه.
ثم أخص بالشكر الجزيل شيخي وأستاذي فضيلة الدكتور الأستاذ/ أحمد عطية الغامدي - حفظه الله - لأجل إحسانه عليّ بقبول الإشراف ولتضحيته بكثير من وقته الغالي النفيس، ولتعهدي ومتابعتي خطوة خطوة، أثناء عملي في إعداد هذه الرسالة، وصبره على ذلك، كما أشكره على إرشاداته القيمة وتوجيهاته السديدة التي كان لها الأثر الطيب في إنارة الطريق إلى إنجاز هذه الرسالة.
فيعلم الله كم من الأماكن صححه الشيخ بيده الطيبة، وكم من المعضلات ذكر لي الشيخ حلها من علومه الغزيرة، فقد كان الشيخ يشرف عليّ في بعض الأسابيع أكثر من أربع مرات حرصًا منه على إخراج الرسالة في أتم وجه وأكمله. فجزاه الله عني خير الجزاء، وأجزل له المثوبة، وختم له بالصالحات، وجعل هذا العمل في ميزان حسناته يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
كما أتوجه إلى الله بالدعاء لفضيلة شيخي وأستاذي الدكتور/ صالح بن سعد السحيمي - حفظه الله - الذي لم يضن بالإجابة عن كل ما أشكل عليّ من المسائل.
كما أشكر كل من ساعدني في كتابة هذه الرسالة من أساتذتي وإخواني، أخص منهم بالذكر شيخي وأستاذي/ سعود بن عبد العزيز الخلف - حفظه الله - الذي أعطاني من مكتبته كل ما طلبته، أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى
1 / 15
وصفاته العلى أن يُبارك في علمه وصيته، ويغفر له جميع ذنوبه.
ثم أشكر القائمين بالجامعة الإسلامية وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - وحكومته الراشدة، التي ترعاها لتكون نموذجًا للعقيدة السلفية النقية الصافية، تضيء بالعلم أنحاء العالم الإسلامي، فقامت ولا زالت تقوم بنشر العقيدة السلفية الصحيحة المبنية على الكتاب والسنة، نابذة للشرك والبدع والخرافات، فجزى الله القائمين عليها خير الجزاء ووفقهم لكل خير.
وأشكر فضيلة الشيخين الكريمين، فضيلة الشيخ الدكتور/ عبدالله بن سليمان الغفيلي حفظه الله، والشيخ الدكتور/ محمد بن عبد الرحمن أبو سيف الشظيفي الجهني حفظه الله، لقبولهما عناء قراءة هذه الرسالة، وتقويمها ومناقشتها، أسأل الله ﷿ أن يجزل لهم مثوبتهم، إنه على ذلك قدير.
وبعد، فهذا عمل البشر فهو متعرض للخطأ والصواب، فما كان فيه من الهدى والصواب فهو من الله ﷿ وحده، وما كان فيه من خطأ فهو مني ومن الشيطان، وأستغفر الله ربي وأتوب إليه، وهو حسبي ونعم الوكيل.
وأسأل الله المولى العظيم رب العرش الكريم أن يتقبله خالصًا لوجهه الكريم ويغفر زلاتي وسيئاتي وهفواتي، إنه عفو كريم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
1 / 16
التمهيد
فيه مسائل ثلاثة:
الأولى: معنى التوحيد وأنواعه.
الثانية: معنى الشرك وأنواعه.
الثالثة: هل الأصل في بني آدم التوحيد أو الشرك؟
1 / 18
المسألة الأولى
معنى التوحيد وأنواعه
معنى التوحيد لغة:
التوحيد: مصدر للفعل الثلاثي المزيد بتضعيف عينه، يقال: وحّد يوحّد توحيدًا أي جعله واحدًا، فهو على وزن تفعيل تعني الوحدة، والانفراد، والتفرد، والحكم والعلم بأن الشيء واحد.
والمقصود من التفعيل: نسبة كالتصديق لا للجعل، فمعنى وحّدت الله: نسبته إلى الوحدانية لا جعلته واحدًا؛ لأن وحدانيته صفة، لا بجعل جاعل، أمّا التوحيد فهو فعل المكلف هي مأخوذة من الوحدة، وذلك مبني على أن المعبود - جل وعلا - واحد في حقوقه الواجبة على العباد، كما أنه واحد في ذاته وصفاته وأفعاله، يقال: أتيته وحده وجلس وحده أي منفردًا، وفلان لا واحد له وواحد دهره أي لا نظير له.
والله الواحد الأحد: المتفرد بالذات والصفات في عدم المثل والنظير، وأحّد الله ووحّده أي نسبه إلى الوحدة والانفراد. فهو سبحانه متفرد في ذاته وصفاته وأفعاله.
فالكلمة تدور حول الوحدة والانفراد والتفرد.
1 / 19
معنى التوحيد شرعًا:
ذكره السلف في كتبهم بعبارات مختلفة - وإن كان المآل واحدًا - فمن تلك العبارات ما يلي:
أ - (إفراد المعبود بالعبادة مع اعتقاد وحدته ذاتًا وصفاتًا وأفعالًا).
ب - (العلم والاعتراف بتفرد الرب بصفات الكمال والإقرار بتوحده بصفات العظمة والجلال، وإفراده وحده بالعبادة).
وبعض العلماء عرفه بالتقسيم فقال:
ج - (هو نوعان: توحيد في المعرفة والإثبات، وتوحيد في الطلب والقصد، فالأول هو إثبات حقيقة ذات الرب تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله، وعلوه فوق سمواته على عرشه وتكلمه بكتبه وتكليمه لمن شاء من عباده، وإثبات عموم قضائه وقدره وحكمه ...
والنوع الثاني: مثل ما تضمنته سورة: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ...).
د - التوحيد هو اعتقاد (أن الله واحد في ملكه وأفعاله لا شريك له، وواحد في ذاته وصفاته لا نظير له، وواحد في إلهيته وعبادته لا ند له فيها).
هـ - (علم العبد واعترافه واعتقاده وإيمانه بتفرد الرب بكل صفة كمال، وتوحيده في ذلك واعتقاد أنه لا شريك له في كماله وأنه ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين).
1 / 20
و- (اعتقاد أنه إله واحد لا شريك له، ونفي المثل والنظير عنه، والتوجه إليه وحده بالعبادة ...، وانفراده بما له من ذات وصفات وعدم مشاركة غيره له فيها، فهو واحد في إلهيته فلا إله غيره، وواحد في ربوبيته فلا رب سواه، وواحد في كل ما ثبت له من صفات الكمال التي لا تنبغي إلا له).
ففهم من هذه العبارات أن التوحيد هو: إفراد الله تعالى في ربوبيته وإفراده في ذاته وصفاته وأسمائه، وإفراده في ألوهيته وعبادته، وبهذا يتحصل لنا الأجزاء الثلاثة للتوحيد، وهي:
١ - توحيده بالربوبية.
٢ - توحيده بالأسماء والصفات.
٣ - توحيده بأفعال العباد. (بالألوهية).
مفاهيم ضالة في باب التوحيد
رغم وضوح معنى التوحيد في الكتاب والسنة فقد ضل فيها عدة طوائف، فمنهم من خرج بمفهومه عن الإسلام، ومنهم من فهمه فهمًا خاطئًا، ومنهم من فهم بعض أجزائه.
إليك فيما يلي بعض هذه المفاهيم الخاطئة مع مناقشتها:
١ - طوائف الفلاسفة: فالتوحيد عندهم (إثبات وجود مجرد عن
1 / 21
الماهية والصفة بل هو وجود مطلق).
وهذا المعنى يظهر في قولهم - كما هو نص ابن سينا ـ: (إن وجود الباري ﷾ وجود معقول) أي وجود مجرد، وقولهم: (فإن واجب الوجود لا حد له، ويتصور بذاته لا يحتاج في تصوره إلى شيء).
وقد أطال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ في كتابه درء تعارض العقل والنقل، ومنهاج السنة النبوية، والصفدية، الرد على أقوالهم، فأثبت بالحجج والبراهين أنها باطلة، فإن من عرف حقيقة قولهم - أي الفلاسفة - علم يقينًا أنهم لم يؤمنوا بالله ولا برسله ولا بكتبه ولا بملائكته ولا باليوم الآخر، فإن مذهبهم: أن الله ﷾ موجود لا ماهية له ولا حقيقة، بمعنى أن
1 / 22