وأما حديث المرآة فيلزم سؤالهم جميع من عنده أن المرآة ينطبع فيها صورة المحسوس، لكن الأجوبة التى يمكن أن يجاب بها عن ذلك ثلثة، جواب كأنه مبنى على مذهب مشهور وهو أن الصورة لا تنطبع فى المرآة على الهيئة التى تنطبع الصور المادية فى موادها وبحيث لا تجتمع فيها الأضداد بل هذه الصورة تنطبع كليتها فى كلية المرآة ولا بأس أن يجتمع فيها شبح بياض وسواد معا لأنهما فيها لا على سبيل التكيف بها بل كما يكون فى المعقول، والعقول تعقل السواد والبياض من غير تعاند ولا انقسام، ثم إنما يتأدى إلى البصر ما يكون على نسبة ما بين الثلاث أعنى المبصر والمرآة والمبصر، ولا يتفق نسبة الجميع من كل جزء من المرآة بل يكون جزء منها يؤدى البياض بعينه، وجزء آخر يؤدى السواد بعينه، ويتحدد بينهما حد فى الرؤية، فيكون جملة الأداء والتحدد محصلا لصورة مثل المبصر فى البصر، وهذا الجواب مما لا أقول به ولا أعرفه ولا أفهم كيف تكون الصورة تنطبع فى جسم مادى من غير أن تكون موجودة فيه، وقد يخلوا الجسم عنها وهى منطبعة فيه، وكيف يكون غير خال عنها وهى لا ترى فيه بل ترى صورته التى له مع أن من شأن ذلك أيضا أن يرى، أو كيف يكون خاليا بالقياس إلى واقف دون واقف، وهذا إشطاط وتكلف بعيد، ومما فيه من التكلف أنهم لا يجعلون للشكل انطباعا فيه، فإن جعلوا جعلوا الشكل غير محدود، ومما فيه من التكلف أن يجعلوا صورة السواد فى جسم من غير أن يكون ذلك سوادا للجسم وأن يجوزوا اجتماع البياض أيضا فيه فى وقت واحد ويجعلوا صورة السواد غير السواد وصورة البياض غير البياض، وأما حديث العقل والمعقول فدعه إلى وقته،
صفحہ 145