فنقول الآن إن أول أقسام أفعال النفس ثلاثة، أفعال يشترك فيها الحيوان والنبات كالتغذية والتربية والتوليد، وأفعال تشترك فيها الحيوانات أو جلها ولاحظ فيها للنبات مثل الإحساس والتخيل والحركة الإرادية، وأفعال تختص بالناس مثل تصور المعقولات واستنباط الصنائع والروية فى الكائنات والتفرقة بين الجميل والقبيح، فلو كانت القوى النفسانية واحدة وكانت الأفعال النباتية تصدر عن القوة التى تصدر عنها الحيوانية صدورا أوليا لكان عدم الأجسام النباتية وأعضاء الحيوان الذى تغتذى ولا تحس ما هو صلب أولين للإحساس إما أن يكون بسب عدم القوة أو بسبب أن المادة ليست تنفعل عنها، ومحال أن يقال إن المادة ليست تنفعل عن الحر والبرد ولا تتأثر عنهما وعن الطعوم القوية والروائح القوية، فإنها تنفعل عنها، فبقى أن يكون ذلك بسبب عدم القوة الفعالة لذلك، وقد وجدت القوة الغاذية، فإذن القوتان مختلفتان، وأيضا فإن تحريك النفس لا يخلوا إما أن يكون على سبيل نقل مطلق، وكل جسم قابل للنقل مطلقا، وإما أن يكون النقل على سبيل قبض وبسط، فقط دون الحركة وبعضها تنفذ فيه قوة الحركة، ولا تتفاضل وليس يمكن تحريكها، فالسبب فى ذلك ليس من جهتها بل من جهة فقدانها القوة المحركة، وكذلك بعض الأعصاب تنفذ فيه قوة الحس فقط دون الحركة وبعضها تنفذ فيه قوة الحركة، ولا تتفاضل بشىء يعتد به، بل قد يوجد ما يشاكل ما ينفذ فيه الحس ويزيد كذلك وليس تنفذ فيه قوة الحس، وكذلك يمكنك ان تعلم أن كذلك وليس تنفذ فيه قوة الحس، وكذلك يمكنك ان تعلم أن العين ليست دون اللسان فى أن تفعل عن الطعوم المجاورة، ولا تحس العين بالطعم من حيث هو مذوق - لست أقول من حيث كيفية - ولا بالصوت، وأما القوة الإنسانية فسنبين من أمرها أنها متبرئة الذات عن الانطباع فى المادة ونبين أن جميع الأفعال المنسوبة إلى الحيوان يحتاج فيها إلى آلة، فإذن الحواس والتخيلات لقوة أخرى مادية غير القوة المحركة وإن كانت تفيض عنها، وقوى الحركة أيضا متعلقة من وجه كما سنبين بقوى الحس والتخيل، فإذا فهمت هذا وما أعطيناك من الأصول سهل عليك أن تعرف فرقان ما بين القوى التى نحن ترتيبها وتعديدها، وتعلم أن كل قوة لها فعل أولى فلا تشارك قوة أخرى لها فعل أولى مخالف لفعلها الأولى،
فصل 5 (فى تعديد قوى النفس على سبيل التصنيف)
صفحہ 39