فنقول أما الأفعال المختلفة بالشدة والضعف فإن مبدأها قوة واحدة لكنها تارة تكون أتم فعلا وتارة تكون أنقص فعلا، ولو كان النقصان يقتضى أن يكون هناك للأنقص قوة غير القوة التى للأتم لوجب أن يكون عدد القوى بحسب عدد مراتب النقصان والزيادة التى لا تكاد تتناهى بل القوة الواحدة يعرض لها تارة أن نفعل الفعل أشد وأضعف بحسب الاختيار وتارة بحسب مؤاتاة الآلة ويحسب عوائق من خارج أن يكون أولا يكون وأن يقل أو يكثر، وأما الفعل وعدمه فقد سلف لك فى الأقاويل الكلية أن مبدأ ذلك قوة واحدة، وأما اختلاف أفعالها التى من باب الملكة بالجنس كالإدراك والتحريك وكإدراك وإدراك فذلك مما بالحرى أن يفحص عنه فاحص فينظر مثلا هل القوى المدركة كلها قوة واحدة إلا أن لها إدراكات بذاتها هى العقليات وإدراكات ما بآلات مختلفة بسب اختلاف الآلات، فإن كانت العقليات والحسيات مثلا لقوتين فهل الحسيات كلها التى تتخيل من باطن والتى تدرك فى الظاهر لقوة واحدة، فإن كانت التى فى الباطن لقوة أو قوى فهل التى فى الظاهر لقوة واحدة تفعل فى آلات مختلفة أفعالا مختلفة، فإنه ليس بممتنع أن تكون قوة واحدة تدرك أشياء مختلفة الأجناس والأنواع كما هو مشهور من حال العقل عند العلماء ومشهور من حال الخيال عندهم بل كما أن المحسوسات المشتركة التى يزعمون أنها العظم والعدد والحركة والسكون والشكل قد تحس بكل واحدة من الحواس أو بعدة منها وإن كانت بوساطة محسوس آخر، ثم هل قوة التحريك هى قوة الإدراك ولم لا يمكن ذلك، وهل قوة الشهوة بعينها هى قوة الغضب فإذا صادفت اللذة انفعلت على نحو وإن صادفت الأذى انفعلت على نحو آخر، بل هل الغاذية والنامية والمولدة شتى من هذه القوى، فإن لم تكن فهل هى قوة واحدة حتى إذا كان الشىء لم يتم تصوره حركت الغذاء إلى أقطاره على هيئة وشكل، فإذا استكمل حركت ذلك التحريك بعينه إلا أن الشكل قد تم فلا يحدث شكل آخر والعظم قد بلغ مبلغا لا تفى القوة بأن تورد من الغذاء فيه أكثر مما يتحلل منه فيقف، وهناك يفضل من الغذاء فضل يصح للتوليد، فتنفذه إلى أعضاء التوليد كما تنفذ الغذاء إليها لتغذوها به لكنه يفضل عما تحتاج اليه أعضاء التوليد من الغذاء فضل يصلح لباب آخر فتصرفه تلك القوة بعينها إليه كما تفعل بفضول كثير من الأعضاء، ثم تعجز هذه القوة فى آخر الحياة عن إيراد بدل ما يتحلل مساويا لما يتحلل، فيكون ذبول، فلم نفرض قوة نامية ولا نفرض قوة مذبلة واختلاف الأفعال ليس يدل على اختلاف القوى، فإن القوة الواحدة بعينها تفعل الأضداد، بل القوة الواحدة تحرك بإرادات مختلفة حركات مختلفة، بل القوة الواحدة قد تفعل فى مواد مختلفة أفاعيل مختلفة، فهذه شكوك يجب أن يكون حلها مهيأ عندنا حتى يمكننا أن ننتقل ونثبت قوى النفس وأن نثبت أن عددها كذا وأن بعضها مخالف للبعض، فإن الحق عندنا هذا،
صفحہ 36