والعقل ليس عجزه عن تصور الأشياء التى هى فى غاية المعقولية والتجريد عن المادة لأمر فى ذات تلك الأشياء ولا لأمر فى غريزة العقل بل لأجل أن النفس مشغولة فى البدن بالبدن، فتحتاج فى كثير من الأمور إلى البدن، فيبعدها البدن عن أفضل كمالاتها، وليست العين إنما لا تطيق أن تنظر إلى الشمس لأجل أمر فى الشمس وأنها غير جلية بل لأمر فى جبلة بدنها، فإذا زال عن النفس منا هذا الغمور وهذا العوق كان تعقل النفس لهذه أفضل التعقلات للنفس وأوضحها والذها، ولأن كلامنا فى هذا الموضع إنما هو فى أمر النفس من حيث هى نفس وذلك من حيث هى مقارنة لهذه المادة فليس ينبغى لنا أن نتكلم فى أمر معاد النفس - ونحن متكلمون فى الطبيعة - إلى أن ننتقل إلى الصناعة الحكمية وننظر فيها فى الأمور المفارقة، وأما النظر فى الصناعة الطبيعية فيختص بما يكون لائقا بالأمور الطبيعية، وهى الأمور التى لها نسبة إلى المادة والحركة، بل نقول إن تصور العقل يختلف بحسب وجود الأشياء، فالأشياء القوية جدا قد يقصر العقل عن إدراكها لغلبتها، والأشياء الضعيفة الوجود جدا كالحركة والزمان والهيولى فقد يصعب تصورها لأنها ضعيفة الوجود، والأعدام لا يتصورها العقل وهو بالفعل مطلقا، لأن العدم يدرك من حيث لا يدرك الملكة، فيكون مدرك العدم من حيث هو عدم والشر من حيث هو شر شىء هو بالقوة وعدم كمال، فإن أدركه عقل فإنما يدركه لأنه بالإضافة إليه بالقوة، فالعقول التى لا يخالطها ما بالقوة لا تعقل العدم والشر من حيث هو عدم وشر ولا تتصورهما، وليس فى الوجود شىء هو شر مطلقا،
صفحہ 238