ولنرجع إلى حديث الوهم فنقول إن من الواجب أن يبحث الباحث ويتأمل أن الوهم الذى لم يصحبه العقل حال توهمه كيف ينال المعانى التى هى فى المحسوسات عندما ينال الحس صورتها من غير أن يكون شىء من تلك المعانى يحس ومن غير أن يكون كثير منها مما ينفع ويضر فى تلك الحال، فنقول إن ذلك للوهم من وجوه، من ذلك الإلهامات الفائضة على الكل من الرحمة الإلهية مثل حال الطفل ساعة يولد فى تعلقه بالثدى، ومثل حال الطفل إذا أقل وأقيم فكاد يسقط من مبادرته إلى أن يتعلق بمستمسك لغريزة فى النفس جعلها فيه الإلهام الإلهى، وإذا تعرض لحدقته بالقذى بادر فأطبق جفنه قبل فهم ما يعرض له وما ينبغى أن يفعل بحسبه كأنه غريزة لنفسه لا اختيار معه، وكذلك للحيوانات إلهامات غريزية، والسبب فى ذلك مناسبات موجودة بين هذه الأنفس ومباديها هى دائمة لا تنقطع غير المناسبات التى يتفق أن تكون مرة وأن لا تكون كاستكمال العقل وكخاطر الصواب، فإن الأمور كلها من هناك، وهذه الإلهامات يقف بها الوهم على المعانى المخالطة للمحسوسات فيما يضر وينفع، فيكون الذئب تحذره كل شاة وإن لم تره قط ولا أصابتها منه نكبة، ويحذر الأسد حيوانات كثيرة، وجوارح الطير يحذرها سائر الطير، ويشنع عليها الطير الضعاف من غير تجربة،
صفحہ 184