150

فالاسم ليس اسما فى طبع نفسه، بل إنما يصير اسما إذا جعل اسما؛ وذلك عندما يراد به الدلالة فيصير دالا. وذلك جعله اسما، أى جعله دالا على صفة، لكن لقائل أن يقول: إنك جعلت حد الاسم ((أنه ولا جزء منه يدل))، وهاهنا أسماء كقولك ((لا إنسان)) ((ولا بصير))، ولا شك فى أنها أسماء، وكيف وهى تدل دلالة الأسماء ! وكيف وقولنا ((لا بصير)) يقوم مقام قولنا ((الأعمى)) ثم تجد لفظة ((اللا)) ولفظة ((الإنسان)). ولفظة اللا ولفظة البصير يدلان على معنى ويتألف من معنيهما معنى الكل ! فنقول إنها بالحقيقة ليست أسماء، ولم يوضع لها، من حيث هى كذلك، اسم يدل عليها، بل هى من جملة الألفاظ المؤلفة التى فى قوة المفردة كالحدود، وكما يقال: راعى الشاة ورامى الحجارة، وإن لم تكن كذلك على الإطلاق. أقول لأن تركيبها ليس عن ألفاظ مفردة مستقلة بنفسها مثل اللا إنسان، فإنه مركب من اسم ومن أداة سلب؛ ومطابقتها للأسماء لا تدل على أنها أسماء بالحقيقة، فإن الحد والرسم كذلك شأنهما. ومع ذلك فلا يجب أن تغتر بدخول حرف السلب فيها، فتظن أن فيها سلبا؛ كلا، بل ليس فيها إيجاب ولا سلب؛ بل تصلح أن توجب وأن تسلب وأن توضع للإيجاب وللسلب. فإذ كانت قريبة المجانسة للأسماء فلتسم أسماء غير محصلة؛ ويكون حكمها كحكم المحمول فى قولنا: زيد فى الدار، فإن زيدا موضوع ((وفى الدار )) محمول، وليس هو بالحقيقة باسم، بل هو مؤلف لكن تأليفه ليس مثل القول المطلق الذى يكون مؤلفا عن اسمين أو عن اسم وكلمة، لأنه مؤلف من أداة ومن اسم، وليس اسما ولا أيضا قولا مطلقا. فهكذا يجب أن تفهم هذا الموضع ولا تلتفت إلى التأويلات التى يتعاطونها. وكذلك حال الأسماء التى تسمى مصرفة فإنها قد اقترن بالاسم منها شىء زائد على الإسمية مشير إلى معنى غير ما يشير إليه مجرد الاسم، وذلك حركة من الحركات وإعراب من الأعاريب حتى يسمع هناك مجموع حاصل من جزئين أحدهما الاسم والآخر ما يلحقه مما هو جزء من المسموع، فيوجد هناك جزء يدل على معنى وأخر إما أن يدل على معنى مطلق وإما أن يدل دلالة ما وبالجملة يوجب حكما لولاه لم يكن؛ ولذلك ما صار ممنوعا عن اقتران بعض ما كان يقترن به من الأسماء، فلو كان المعنى لم يتغير ما تغير حكم جواز ما يقارنه ولم يتغير معنى الاسم فى نفسه، بل إنما انضمت إليه زيادة، سواء كان الجزء كبيرا أو كان مقطعا أو حركة، فإن جميع ذلك أجزاء من المسموع، وسواء كان المعنى معنى طويلا أو إشارة. وبالجملة إذا صار الاسم بما لحقه من الزيادة ممنوعا عن أن يلحق به ما من شأنه أن يلحق به، فقد زيد على معنى الاسم المجرد شىء صار به بحال أخص من حاله وهو اسم مطلق، كما إذا شغل الموضوع ببعض الأعراض، فحينئذ يكون للجملة معنى غير الذى يكون للموضوع وحده، وذلك الموضوع وذلك العرض كل منهما يصير جزءا من المجموع، فالاسم الذى ينصب أو يجر أو يغير تغيرا يمنعه عن مقارنة كل واحد مما من شأنه أن يقارنه لا يكون بالحقيقة اسما مجردا، بل اسما وقد صرف بجزء من المسموع قرن به. وكما أن حد الموضوع للبياض، وليكن إنسانا ما، هو حد واحد كان أبيض أو لم يكن، فإن حد الإنسان الذى لحقه البياض فى نفسه هو بالحد الذى يكون له، وإن لم يلحقه البياض، إلا أن يحد من حيث هو أبيض، فكذلك حد الاسم الذى هو على فطرته وحد الاسم الذى لحقه التصريف واحد، من حيث هو اسم إلا أن يحد من حيث هو مصرف، فحينئذ يلحق بحد الاسم زيادة، أما بحسب اللغة العربية فهو أنه لا يصلح أن يقترن به كل ما من شأنه أن يقترن بالأسماء؛ فإن قولك. زيد بالرفع لا يلحقه ((فى))، وقولك ((زيدا)) لا يلحقه ((ضرب)) أو ((كان)) أو ((حيوان)) وكذلك ((زيد)) بالجر. وأما بحسب اللغة اليونانية، فإن الاسم المصرف هو الذى إذا ألحق به الكلمات الزمانية كمقولك (( كان )) و (( يكون )) (( وكائن الآن )) لم يصدق ولم يكذب. والاسم الغير المصرف هو الذى إذا قرن به أحد هذه صدق أو كذب. ثم كما أن الخشب المدور خشب قرن به التدوير، فهو خشب فيه عرض هو التدوير، وهو فى نفسه خشب بلا زيادة، لكن ليس المجموع خشبا مطلقا، أعنى كالصنم المتخذ من خشب ومثال، فإن الخشب مادته ولا تحمل عليه، فإن الجملة لا يحمل عليها أحد الجزئين، فكذلك إذا أخذ جملة الاسم وما لحقه من التصريف كان فى أحكام المركبات ولم يكن اسما، ولكن إذا نظر إليه من حيث هو فى التصريف، كان اسما مصرفا، وإذا نظر إليه مطلقا كان اسما مطلقا. والفرق بين النظر فيه وهو اسم مصرف والنظر إلى الجملة كالفرق بين النظر فى الجذع أنه فى السقف والنظر إلى جملة الجذع والسقف وكذلك لك أن تقول إن الاسم المصف لفظ دال لا يدل جزؤه، وقد لحقه كذا وكذا، ولا تقول إن الجملة الحاصلة من الاسم والتصريف لفظ دال لا يدل جزؤه، وكيف والاسم أحد الجزئين، وهو يدل.

صفحہ 156