وأما القسم الثانى من القسمين اللذين ذكرناهما أولا، وما دخل فيه، فجميعه سمى فى قاطيغورياس أضدادا، كان أحدهما وجوديا، والآخر عدميا بالوجوه المذكورة للعدمى، أو كان كلاهما وجوديا. وكذلك إن كان الموضوع ينقل من كل واحد منهما إلى الآخر، أو كان أحدهما طبيعيا لا ينتقل عنه ولا إليه، كالبياض للجص. وسواء كان الموضوع واحدا بعينه، كالماء للتسخن والتبرد، أو كان معنى عاميا، مثل العدد للفردية والزوجية، فإنه ينسب إليهما من حيث يوجد عددا على الإطلاق، لا من حيث هو عدد معين. وهو من حيث هو عدد معين، لا يصحب إلا إحداهما، ومن حيث هو عدد غير معين لا يجب أن يقبل إحداهما دون الأخرى. وسواء كان الشيئان بينهما واسطة، فلا يجب أن يكون الموضوع، إذا خلا عن أحدهما، وجد فيه الآخر أو لم يكن كذلك، بل كان إما طبيعيا لا يفارق، وإما بحيث إذا خلا عن الآخر لزمه الثانى، كالصحة والمرض، فإن جميع هذه، نسميها أضدادا فى هذا الموضع من حيث المعنى الجامع، فنسمى الحر والبرد، والصحة والمرض، والزوج والفرد، والحركة والسكون، أضدادا، ولا نبالى بأن يكون أحدهما هو معنى وجودى، والآخر معنى عدمى، وعلى أى أنحاء الأعدام كان، إذا كان ليس عدما، على النحو المذكور. فلا يجب أن يشتغل المعلم لكتاب قاطيغورياس بأن يجعل العدم غير الضد، قائلا: إن الضد هو ذات تخلف المعنى الوجودى فى الموضوع، وإن العدم ليس بذات، بل هو، أن يعدم المعنى الوجودى، فيكون الموضوع خاليا عنه فقط. فإن الضد الذى يقال فى هذا الكتاب، ليس يعنى به هذا، فإن الحركة والسكون يكونان حينئذ غير متضادين، ولا الزوج والفرد متضادين، ولا الخير والشر، ولا العلم والجهل، ولا أكثر ما ذكر ههنا. ولا يجب للمتكلف أن يتعرض للاستدراك، كما فعل بعض الناقضين، فيقول: إن القسمة غير مستوفاة، فإن ههنا مقابلة غير المقابلة التى للضد، وغير التى للعدم المذكور، مثل مقابلة السكون والحركة، إذ لا تضاد بينهما، ولا السكون والحركة، إذ لا تضاد بينهما، ولا السكون حاله حال العدم المذكور فى هذا الكتاب. وليعلم هذا المتكلف: أن التضاد الذى يذكره فى كتاب قاطيغورياس، ليس هو ذلك الذى ذهب إليه، وأنه لم يخف على المعلم الأول ما لايخفى عليه، ولينظر إلى الحدود دون الأسماء، وليعلم أن المبتدئ لا يكف تصور ما يدق من الفروق بين المعانى المتقاربة، فإنه يكتفى منه فى تعليم المتقابلات بأن يفاد تصورا ما بنحو من الأنحاء، وإن كان التصور منه لبعضها على محو التصور العامى؛ ولا يسأم أن يفهم الفرق بين الذات المقابلة للذات، وبين عدم الذات المقابلة للذات، إلا فيما يظهر ظهور العمى. ولا أيضا قول هذا المتكلف، فى بعض ما يهذى فيه، أنه قد ترك المعلم الأول التقابل الذى بين الجوهر والعرض، وبين الصورة والمادة، مما يجب أن يلتفت إليه.
ولتعلم أنه ليس يعنى بالتقابل، حال كل غيرين متباينين كيف اتفق، بل أما الأول من التقابل فهو تقابل الأيس والليس، وذلك موجود فى الجوهر والعرض؛ فإن الجوهر لا عرض، والعرض لا جوهر. وأما ما بعد ذلك، فشرط المتقابلين أن يكونا فى موضوع واحد جنسى أو نوعى، على أنهما فيه لا عليه، وهذا الشرط غير موجودين بين الجوهر والعرض، فلا تقابل بينهما. أما العلاقة والملازمة فهى إضافة تلزم، إما أحدهما، فيلحق الآخر غير لازم على ماهو الحال فى بعض ذوات الإضافة مما قد تبين واتضح، أو تلزم كليهما فيكونان به متضايفين من حيث اللزوم، فعلى هذه الصورة يجب أن تفهم التقابل المذكور ههنا.
الفصل الثاني فصل (ب) في شكوك تلحق ما قيل في التقابل
صفحہ 140