والحس إنما يشاهد من جملة ذلك غالب الأجزاء التى تبرز وتظهر فيحسب أن جميعه استحال إلى الغالب، بأن صارت مثلا، الخشبة أو غيرها نارا. ولا يشاهد الأجراء التى تتفرق من الجوهر الآخر كالدخان مثلا، نعم إنما يشاهد بقية بقيت من الأول بحالها، أو يشاهد ما يتبقى من الأول - وقد تفرق وتشتت ، أو بطلت تلك الصورة التى كانت له - بقاء الرماد.
وأما جوهر الماء فلن يصير نارا البتة، ولا جوهر النار يصير ماء البتة، بل يتفرق، ويغيب عن الحس فيرى ما يظهر ويبرز للحس، فيظن أنه بجملته استحال.
فهؤلاء الطبقة يرون أن النار لا تكون من شىء بل الكائن منها يبرز ويستعلى للحس ليس على أنه حدث، بل على أنه ظهر، ويرون أنه لا استحالة ألبيه، وأن الماء ليس يسخن بالحقيقة من النار، بل تخالطه أجزاء فإذا لقيها إليه فى أول ما يظنها يستحيل لقاء أجزاء محرقة وأجزاء مبردة لقاء لا يميز الحس بين أفرادها، فيتخيل هناك أمرا بين الحر الشديد والبرد الشديد، وهو الفتور .فان كثرت الأجزاء النارية بلغ الأمر إلى أن يحرق.
قالوا: وليست الشعرة الواحدة تسود بعينها وتبيض، بل مرة تجرى فيها، ومن غذائها، أجزاء يغلب عليها فى ظاهرها سواد يخالطها ويعلوها فيبيضها. وإن الدكنة ليست لونا متوسطا بين السواد والبياض، بل مختلطا فيها، بل تكون أجزاء تسود
صفحہ 80