وأما القائلون بترجيح النار فقد اعتمدوا فيه الكبر، وظنوا أنهم صححوا الكبر بكبر السموات وعظمها. فما يدرينا أن السموات كلها نارية حتى عسى أن يصح ما يقولونه؟ وما الذى يوجب اختصاص النار بالعنصرية لحاجة الكائنات إلى الحرارة. كأنها لا نحتاج إلى الرطوبة، وكأنها لا تحتاج إلى اعتدال من الحرارة بمزاج البرودة؟ وأما فى أن النار قد تمخض نارا من أنها هى العنصر، فإنه إن كان الماء نارا مستحيلة، أو كانت الأرض نارا غير محضة، فيكون من النار ما ليس بمحض. وأما إذا أخذت النار التى هى مجاورة للفلك فالذى يدل على محوضتها يدل أيضا على محوضة الأرض المجاورة للمركز. ومع هذا كله، فما المانع من أن يكون كل واحد من هذه أسطقسا، لكن الواقع فى جوار الفلك لا يرتفع إليه من البواقى ما يشوبه، وأما التى عند المركز فإن الشعاعات الفلكية والتأثيرات السماوية تمزج بعضها ببعض بما يفيض من المياه، وما يصعد من الأبخرة والأدخنة الدائمة الحدوث، فلا تبقى صرفه. وهذا لا يستبين من أمره أنه ممتنع محال.
وأما القائلون بالبخار لأنه متوسط بين العناصر ونسبته إلى الأطراف البعيدة نسبة واحدة، وإن كانت مختلفة، بالتخلخل والتكاثف، فمن سلم لهم أن الشىء، إذا كانت نسبته إلى أشياء أخرى هذه النسبة كان أولى أن يكون عنصرا. ولو كان هذا حقا لكان كل واحد من العناصر بهذه الصفة؛ وذلك لأن الهواء أيضا إذا يبس كان نارا، وإذا يبس أشد أرضا، وإذا برد كان بخارا، وإذا برد أشد كان ماء. ولا فرق إلا أن الانتقال هناك بمتقابلتين، وهما التكاثف والتخلخل، والانتقال ههنا بغير متقابلين. إلا أنه ليس بينا بنفسه أنه يجب أن يكون المتوسط الذى ينتقل إلى الأطراف بمتقابلين هو الأسطقس الأول، لا غير.
على أن البخار ليس شيئا إلا ماء قد تفرق وانبسط، كما أنه ليس الغبار والدخان إلا أرضا تفرق وانبسط. وليس هو عنصرا خامسا، أو بعنصر خامس؛ بل هو فتات بعض العناصر وبثاثته، مع بقاء نوعه. وإنه لو انسلخ نوعه فى ذلك الطريق لا نسلخ إلى الهوائية لا غير، ولم ينسلخ إلى البخارية.
صفحہ 97