من الخفرات البيض لم ير مثلها ... شفاء لذي بث ولا لسقم وعمران يتميز عن الطرماح، بل إن من غير الإنصاف أن نقابل بين الشاعرين، لأن الطرماح شارك في المنازعات القبلية وأسرف في العصبية كما أسرف في هجاء القبائل الأخرى وفي الفخر بنفسه؛ وبين حين وآخر كانت تستيقظ في صدره بعض المشاعر الزهدية، إلا أن كلبه على المال يباعد بينه وبين الزهد الدقيق، فهو من أجل ذلك كله لا يمثل الروح الخارجية تمثيلًا وافيًا.
أما عمران فيمثل حقيقة الزهد الخارجي لأن الصراع في نفسه أقوى منه في نفوس الشعراء الآخرين من الخوارج، ولأن النزعة الإنسانية في شعره ليست تيارًا سطحيًا كما هي عند قطري، بل هي تيار عميق لابد لرؤيته من التغلغل في أعماق نفسه.
وتصفه لنا المصادر بأنه كان أفوه آدم طويلًا، وتزيد إحدى الروايات أنه كان دميمًا، ولعل هذا الوصف الأخير إنما ذكر ليلتئم مع قصة تتحدث عن تحوله إلى المذهب الخارجي بتأثير امرأة جميلة تدعى " جمرة "، يقال إنها كانت ابنه عمه، ومجمل هذه الرواية أن عمران كان في مبدأ أمره منصرفًا إلى طلب العلم مشمرًا في تحصيله، ولم يكن ينتمي إلى المذهب الخارجي، ولكنه حين رأى جمرة أخذ بجمالها وأحبها، وكانت خارجية، فسعى ليردها عن مذهبها، وبدلًا من أن ينجح في ذلك نجحت هي في تحويله إلى مذهب الخوارج.
ولكن هناك رواية أخرى تقول شيئًا آخر غير الذي قالته الرواية السابقة؛ تقول إن جمرة كانت زوجًا لرجل اسمه سويد بن منجوف، وكانت خارجية فسمعت بعمران وعبادته ونسكه فأرسلت إليه تطلب أن يخلصها من زوجها لتتزوج من عمران لأن رأيها رأيه ودينها دينه، فأقبل عمران ومعه نفر من الخوارج على سويد وكلموه في أمرها فطلقها وتزوجها عمران، وقيل لسويد، أطلقت جمرة خوفًا من الخوارج؟ فقال: لا، ولكني لا أحب أن يكون عندي من يكرهني.
1 / 19