الحصار. ثما اجتاز النهر إلى بيكند، فلم يصلها إلا بعد مشقة كبيرة. وبذل كل ما في وسعه لبلوغ بخارى، فلم يبلغها إلا بعد معارك طاحنة خاضها مع الترك، وقتل فيها جملة من فرسان العرب، ومات منهم سبعمائة عطشا. ومن بخارى سير أشرس حملة إلى كمرجة بالقرب من بيكند، فلاقاها خاقان في الترك وأهل فرغانة وأفشينة ونسف وطوائف من أهل بخارى، وسدد عليها الطوق، فأبلى جنودها بلاء حسنا في الدفاع عن أنفسهم، ورفضوا الاستسلام، فاحتال خسرو بن يزدجرد على الموقف، وأعطاهم الأمان على أن لا يلتحقوا بأشرس في بخارى، بل أن يعودوا إلى الدبوسية من أعمال الصغد١.
وهكذا فشل أشرس فشلا ذريعا في تحسين أحوال سمرقند السيئة، إذ لم يشرع في تطبيق ما اقترحه من تغييرات مالية برفع الجزية عمن أسلم منهم، حتى أعلن كثيرون إسلامهم، فتضاءلت الأموال التي كان الدهاقين يجمعونها، والتي كان مفروضا عليهم أن يدفعوها دون نقص أو تأجيل، لأنه كان من شروط صلحهم حين فتحت بلادهم أن يؤدوا مبلغا محددا كل سنة للفاتحين. فأذن أشرس للدهاقين بتحصيل الجزية ممن كانت تحصل منهم قبل إسلامهم. فكان ذلك مبعث سخطهم وعصيانهم، مما اضطر أشرس إلى محاربتهم، لإرغامهم على دفع الجزية، فجلب لنفسه ولجيشه هزائم متوالية بمواقع متعددة، انتهت بضرب خاقان طوقا قويا عليه ببخارى، لم يقدر على كسره، ولم يستطع الانفلات منه. وعندئذ رأى هشام أن يعزله ويولي مكانه الجنيد بن عبد الرحمن المري، فسار إلى ما وراء النهر وشق طريقه إلى أشرس بصعوبة بالغة، لأن الترك والصغد انقضوا عليه عندما عبر النهر، فشتتهم بعد قتال ضار، وواصل تقدمه نحو أشرس، فلما كان ببيكند عاود الترك الانقضاض عليه، فكاد يهلك، ثم ظهر عليهم، فجمع خاقان الترك وهاجمه عند رزماق بالقرب من سمرقند، فدارت الدائرة على الترك، ونجح الجنيد في فك الحصار عن سمرقند، وفي انتزاع أشرس ومن كان معه من الجند، وقفل عائدا إلى مرو الشاهجان٢.
_________
١ فتوح البلدان ص: ٤١٧، والطبري ٩: ١٥٠٧، وابن الأثير ٥: ١٤٨.
٢ الطبري ٩: ١٥٢٧، وفتوح البلدان ص: ٤١٨، وابن الأثير ٥: ١٥٦.
1 / 33