فقالت بعذوبة: أشعر بالأمان الكامل.
وجد في قلب الجملة معنى خاصا فامتلأ صدره بالامتنان. مالت بالكرسي إلى الأمام فملأ قدحين بعصير الموز له ولها. وردته ذكرى من ذكريات رأس البر حين قدم كأسين من الويسكي، قالت وقتذاك بجدية لم يتوقعها: مستحيل.
فقال معتذرا: إنه شهر العسل. - ولو.
ثم مستدركة برجاء وحزم معا: ولا أنت!
لم تنثن أمام الحرج أو المجاملة. حتى في أيام التلاقي الأولى، وفي غمرة طوفان العواطف رفضت ما تأباه بقوة وشجاعة. وقد تراجع متلقيا نذيرا من المتاعب. أجل لم يكن الأمر مفاجأة له فهو يعرفها من قديم. خبر صلابتها التي أرهقت قلبه، وطالما رآها وهي طالبة بكلية العلوم ترفل في زي المسلمات المحتشمات مطوقة الرأس والوجه بالخمار الأبيض. وألم يقل له صديقه عبد الباري خليل المحامي «إنك مقدم على الزواج من كائن له مظهر أنثى ومخبر إمام مسجد»، لكنه الحب أو لعله الحب والعناد.
وسألها: أعجبتك الفيلا يا فتحية؟ - إنها تفوق الخيال ولكني لم أقدم لها إلا القليل ... - قلامة ظفرك أثمن منها ومما فيها.
فقالت ضاحكة: أنت رجل غني تجود بالكلام كما تجود بالأشياء الثمينة. - أنا رجل عاشق بلا زيادة. - وأنا سعيدة. - لكن لم يجر الحب على لسانك بعد.
فضحكت قائلة: أنت تعرف تماما ما تسأل عنه. - تجلى لعينيه يسري أحمد. لا يمكن أن يجيء وحده ولكن في إطار جامع لعبد الباري خليل ووهدان المتجلي وعدلي جواد وفتحية سليمان وشارع ابن خلدون بالسكاكيني. جيران وأصدقاء من الطفولة. أعمار متقاربة حتى فتحية لا تصغرهم إلا بعام واحد فهي في التاسعة والعشرين بينما هو في الثلاثين. لكن يسري أحمد تجلى لعينيه وحده في تلك اللحظة. تجلى له في موقف لا ينسى حين خلا إليه في حديقة الظاهر بيبرس. كان أحب الجميع إلى قلبه وكان يسعفه في العلوم والرياضة المستعصية عليه. تطلع إليه بوجهه الشاحب الجذاب وارتبك فسأله: ما لك يا يسري؟ - لا أدري كيف أبدأ. - أمر هام ولا شك؟ - فعلا، لبيب، نحن أخوان ... - طبعا. - وأنا باسم الأخوة أحدثك، المسألة تتعلق بفتحية بنت الشيخ سليمان.
خفق قلبه خفقة رسبت في حفريات صدره إلى الأبد. - ما لها؟ - إنك يا عزيزي تطاردها في الشوارع.
تساءل بوجوم: شكتني إليك؟ - معذرة، إننا متفقان على الزواج.
نامعلوم صفحہ