120

شیطان یعظ

الشيطان يعظ

اصناف

4

مضت الحياة الجديدة تفرض علي ذاتها كواقع يجب التسليم به. لم يفارقني الشعور بالعبودية ولكن استجابت نفسي للرؤية والسماع والقراءة، بل اكتسبت عادات التفكير والتأمل والحلم وإن ناوشتها كثيرا أحلام اليقظة. ألفت الرچيم والدواء وداويت نوبات الألم بالمسكنات والمهدئات. بات وفيق همزة الوصل بيني وبين العمل. فما زال يصدر عني الاعتماد والتوجيه. واشتد حرصي على متابعة العمل باعتباره باب الأمل الأخير.

وجاءني مرة بحساب البنك عن أموالي السائلة البالغة خمسة ملايين من الجنيهات فخطر لي أن أسأله: متى يشبع الناس من اكتناز المال؟

فأجاب وهو يرفع حاجبيه الكثيفين: لا حد للنجاح، وما قيمة الحياة بلا عمل؟

هكذا ربيته منذ الصغر. تخرج في التجارة مثلي. نجحت في تنشئته كابن رجل يعبد العمل لا كابن مليونير. وهو يسهر في كل ليلة في الهرم، ولكنه لا ينفق كالمجانين. يملك سيارة مرسيدس طراز 78، ويتكلف في الليلة عشرين جنيها ولكنه يغضب لإنفاق مليم في غير موضعه الضروري. إنه صديق ولا يخفي عني شيئا. وطالما سهرنا وشربنا معا. وقد داخلني قلق لدى أول عهده بالسهر فإني أكره التبذير وحسبنا ما تبدده أفكار ونبيلة ذات اليمين وذات اليسار. يومها قلت له: تمتع بحياتك ولكني أكره أن يبدد السفه ما يجمعه العرق والمغامرة.

فقال لي بوضوح مريح: أوافق على رأيك تماما.

وسرعان ما تبين لي «عقله». ترامى إلي أن أصدقاءه يطلقون عليه على سبيل الدعابة «النتن». لم يسرني ذلك بطبيعة الحال ولكن كان أحب إلي من أن يعرف بالمسرف أو المجنون. وحذرته مرة قائلا: النساء ... النساء!

فقال لي مطمئنا: إني أتجنب العلاقات الدائمة أما العابرة فلا ترهق عادة. - وإذا دهمك الحب؟

فقال بسخرية: إني لا أعترف بالحب.

لم آخذ قوله مأخذ الجد رغم أني لم أعرف له حبا واحدا. تزوجت أنا عن حب. أجل لم تلعب المرأة دورا في حياتي ولكني عرفت الحب. هذا الفتى جررته معي إلى ساحة العمل منذ سن المراهقة. نشأ عاشقا للعمل والمال. وأغراني قوله بأن سألته: متى تفكر في الزواج؟

نامعلوم صفحہ