شیطان بنتور
شيطان بنتاءور: أو لبد لقمان وهدهد سليمان
اصناف
قال: لكل شيء ميقات، وليس هذا وقت رؤية الملك، فاصبر معي أو انقلب إلى عشك جاهلا محروما!
فاستعنت الله على الأستاذ في نفسي، ولذت بالصبر في أمري.
وطفق يجوب بي الطرق، ويحول في الأزقة حتى خرجنا إلى بناء رفيع، فوق طريق وسيع، فقصد الأستاذ قصده، فسألته: ما هذه الدار يا مولاي؟ ولمن؟
قال: هذه يا بني شمس النهار، ومشرق الأنوار، ومهبط الحكمة والأسرار، ونقطة تلاقي العقول الكبار، دار الأدب والفلسفة، أسسناها على مثال الدار الكبرى في طيبة، وكنا أربعة، فلم يمض علينا عشرون عاما حتى نمت وربت، ونجحت ورقت، وأصبحت من تعدد الأساتذة وتكاثر الطلاب وتهافت المستفيدين من الأجانب علماء وفلاسفة، بحيث تضارع أختها في طيبة، ويميزها أن ليس للملك ولا لحكومته ولا للكهنة يد في التأسيس، ولا سبيل على التدريس، وأنها غراس الأفراد وإحدى هممهم؛ فانظر إلى الكثير كيف يأتي من القليل! ومن ميمون أمر هذه الدار أن وزير الخزانة السلطانية لما سمع بها وزارها وهي في أيامها الأولى ، كتب لها صكا بربع ثروته الواسعة، تستوفي ذلك في حياته وبعد مماته؛ ثم مات وانتقلت روحه الكريمة إلى المغرب،
1
وكان قد أدخل ولديه فيها، فلا ورأس الملك يا بني، ما رأيت أنجب منهما، ولا أحب للعلم، ولا أصبر على تحصيله، ولا أطلب للغايات فيه؛ إذا ذكر فتيان المملكة في مجلس صاحبها سماهما وأثنى عليهما، وسمع ثناء الناس فيهما؛ فليت أباهما يرد إلى الحياة لينظر كيف تجزي العناية المحسنين، وتجعل عماد بيوتهم من بعدهم البنين!
قلت: سعداء أنتم معشر الآباء، اتفق أربعة منكم ولن يتفق اثنان منا، وبذل أحدكم ربع ماله في البر ولن ينفق أحدنا دخل عام واحد في صالح الأعمال، ونحن الذين قال بعضهم فينا: «اتفقوا على أن لا يتفقوا.»
2
فأحفظت عبارتي الأستاذ، وقال: ما هذا السم في الدسم؟! ومن ذاك الذي يثبط الهمم؟! هذا ومثله أيها الهدهد من الأوهام، وإنها لتخامر العقول فتعقلها، وتداخل النفوس فتقتلها. الأوهام داء الأمم، ومنية الشعوب؛ إذا تمكنت من قوم كانت كالفاس في الأساس، وكالنار في الشعار، وكالحبل في الخناق، وكالعلة في القلب، لا يخفق معها إلا إلى حين. ومن تبالغ نكد الدنيا على الشرق الحاضر تبالغ هذا الداء فيه، حكوماته دواليب تدور بالأوهام، وبلدانه مملوءة ما بين السماكين من الأوهام، وأممه تروح وتغدو حيث تجعلها الأوهام. نظر الواحد منهم في الأمور عرضا وبعين غيره، وحكمه فيها عن الهوى، وانقياده في إيرادها وإصدارها بأزمة الأوهام. قال لكم رجل قولا فوهمتم فمتم أحياء. ليس مع السلوة عيش، ولا مع القنوط عمل، ولا مع اليأس حياة، وليس أجلب للشر والضر من الدعوة إلى الربوض، وتوهين العزائم، وإماتة القلوب، وإخراج النفوس من الرجاء إلى اليأس الذي هو الموت في أشنع صوره وأقبح أحواله.
قلت: الأوهام يا مولاي داء الأمم منذ القدم، لم تخل منها أمة خالية، ولن تخلو منها أمة آتية، فما بالك تلزمها فريقا دون فريق، وتنكرها على قوم ولا تنكرها على آخرين؟
نامعلوم صفحہ