شیطان بنتور
شيطان بنتاءور: أو لبد لقمان وهدهد سليمان
اصناف
قال: لمن هي؟
قلت: لغير أهلها.
قال: هي إذن في حكم المدن الغابرة، عواصم أربع، كن مقار دول، وكراسي ممالك، وقواعد حكومات، تغير إحداهن الشمس بأبهة الملك وعظمة السلطان، حضرت الأهرام يومها وأمسها، وشهدت مصرعها وكانت رمسها، فاسأل ربك لقومك أن يكفيهم نحسها!
قال الهدهد: فأطرقت أتأمل في معاني هذه الكلم الجوامع، وأتدبر مغازي هذه الحكم الروائع، وأنا أستعرض كرة الأرض في خاطري، وأقلب صفحات التاريخ في فكري، فلا أجد لفضاء الأهرام مثلا فيما وصفه النسر، إلى أن أخرجني من إطراقي بأن قال: أرى الهدهد بين عبرة جلت حين تجلت، وفكرة في المدائن الأربع كيف تولت، فهل لك في كلمات تمثلك وقوتك في الظلمات، وتريك الأمم في حال ذهابها، كيف ينقصها الآلهة من أخلاقها وآدابها.
قلت: لو كان فيهما آلهة غير الله لفسدتا، إني أراك في ضلالك القديم!
قال: قطعت حديثي لأمر لا يعنيك، لك ما تعبد ولي ما أعبد، ولا يزر النسر وزر الهدهد؛ فإن كان لك في الصحبة فعلى ثلاث: ألا تجري الأمور على هواك، وألا تنظر فيها بمقتضى طباعك، وأن تأخذها ولا تسأل عن أسبابها؛ فهذه الثلاثة تخرج من العلم إلى الجهل، فكيف تخرج من الجهل إلى العلم.
قلت: ذلك لك يا شاعر الآلهة فأنجز الآن ما وعدت.
قال: هلك الفراعنة وخلت الأسرة منهم، وذهبت دولهم، ونبشت قبورهم، وعرضت جثث عزت عليهم على الناس، ومأتمهم بينكم معاشر المصريين قائم لا ينفض، وما مقعدكم منه إلا كالمعددة: تبكي ولا دمع، وتندب ولا حزن، وتهتف بما لا تعرف من أخلاق الميت وصفاته، وسنة سارها في حياته، يفخر أحدكم بالعظم الرميم، ويتحلى في حديثه بالمجد القديم ، ويسر وهو عطل من الغنى عديم، بمبالغ غيره من اليسارة والنعيم، فإذا ذكر المصريون القدماء، رفعتم الأنوف للسماء، وزعمتم أنكم سلالة الفراعنة العظماء، لكم التاجان وعرشكم على الماء؛ وإذا جرت أحاديث العرب، قلتم بيننا أقرب النسب، ولنا ما تركوا من حسب، وما هو إلا سبب قطعتموه، ودين ضيعتموه، ولسان عربي بالعجمة بعتموه؛ وإذا سمي جد الأتقياء، وواسطة عقد الأنبياء، كنتم كلكم لآلئ الشرف، وما خرج قط خزف من ذلك الصدف، وإذا نصر الترك في حرب، وتركوا دويا في الشرق والغرب، كنتم السيوف والأكف والضرب، وما ذقتم لها من حرب ولا كرب؛ وإذا مات ملك ليس منكم ولستم منه، ولا يسأل عنكم ولا تسألون عنه، وخلف لقومه سيرة تسير كالأمثال، وخلى مفاخر لن تبيد ولن تنال، كنتم المؤبنين الشعراء، لغيركم الميراث وعليكم الرثاء!
قال الهدهد: وبينما أنا في الإصغاء، آخذ الحكمة الغراء عن آدم الشعراء، إذ قطع الحديث وتركني مفكرا في كل ما هاج بي ذكره من قديم وحديث، ثم صرفني على أن ألتقيه في منف أصيل الغد، وإن غدا لناظره لقريب.
المحادثة الثانية
نامعلوم صفحہ